للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ إِبْرَاهِيمَ" (١)، وجئتُ بهذا الحديثِ لأجلِ أن نَفْهَمَ معناه حقيقةً، ما معنى "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ"؟ لو أخذنا بظاهرِه لقُلْنا: إن إِبْراهِيم قد شك ونحن أَولى بالشك منه، ولكن ليس المراد ذلك، المراد كما أننا نحن نَتيَقَّن أنَّ اللَّه يُحيي المَوْتى وقادر عليه، فإِبْراهِيم أَوْلَى باليقينِ، ولو كان ثمة شَكّ لكنَّا أَولَى به.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ} لا يخافون نُشُورًا]، {بَلْ} للإضرابِ، وكأنه إضراب عن توبيخٍ إلى أشدَّ منه {أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا}.

قُلْنَا: الاستفهام للتقريرِ، والإنْسَان الَّذِي يَرَى الشَيْءَ ثم لا يَعتبِر به مستحِقٌّ للتوبيخِ، انتقل إلى ما هو أعظم إلى حالٍ أشدَّ يستحقون التوبيخ عليها، فالإضراب هنا للانتقالِ من سيئٍ إلى أسوأ، ومن خفيفٍ إلى أغلظَ منه، معناه أن هَؤُلَاءِ لَيْسُوا تاركينَ للاعتبارِ بما شاهدوا، بل إنهم أبلغ من ذلك، لا يرجون نُشُورًا، وفسَّرَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه الرجاءَ بالخوفِ؛ لِأَنَّ الرجاءَ يأتي بمعنى الخوف، مثل قول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن نوحٍ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣]، ولكن إتيان الرَّجاء في موضِع الخوفِ لا يَكُون إلا حيثُ تَعَذَّرَ أن يُفَسَّر بمعناه الحقيقيّ، وهنا لا يَتعذَّر، لِأَنَّ معنى {لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} [الفرقان: ٤٠]، يعني لا يؤمِّلونه ولا يُقِرُّون به؛ لِأَنَّ مَن لا يؤمِّل شيئًا لا يقرّ به، وكأنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ حَمَلَه على معنى الخوفِ؛ لِأَنَّ حالَهم تَقتضِي ذلك، تقتضي أَنَّهُمْ لا يخافون؛ إذ لو خافوا لأقَرُّوا وآمنوا، ولكن يقال أيضًا: الرَّجاء، لو كانوا يرجون هَذَا النشور ويؤمِّلونه لعمِلوا له؛ لِأَنَّهُ قيل لهم: إن صدقتم الرُّسُل فلكم كذا، وإن كذَّبتم الرُّسُل فعليكم كذا، فهم موعَدون ومتوعَّدون، فلا يَتَعَيَّن


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}، رقم (٣٣٧٢)، ومسلم: كتاب الإيمان, باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة، رقم (١٥١).

<<  <   >  >>