للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يَحْزَنَ على ضلالِ مَن ضلَّ إذا كان قد قامَ بما أوجبَ اللَّهُ عليه من البلاغِ والدعوةِ، قال اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: ١٢٧]، وقال عَزَّ وَجَلَّ: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣]، يعني مهلكًا نفسَك ألا يَكُونوا مؤمنينَ، وآيات كثيرة بهذا المعنى، وأن الإنْسَانَ لا يَحزَن؛ لِأَنَّ ضلال مَن ضَلَّ بفعل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفِعله تَعَالَى لحِكْمَةٍ، ولهذا قال أهل العلمِ: إننا ننظُر إلى أهلِ المعاصي نظرينِ؛ نظرًا شرعيًّا، ونظرًا كونيًّا، فالنظر الشرعيُّ نحاول إلزامَهم بما أوجبَ اللَّه ونعاقبهم على ذلك، ونُعَزِّرهم بما يليق بهم، ونُقيم الحدود عليهم، ولا نرحمهم في ذلك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢]، هَذَا النظر الشرعيُّ، نظر قوَّة وحَزْم، أمَّا النظر الثَّاني فَهُوَ النظر القَدَرِيّ الكونِّي، فإنَّنا نَرِقّ لهم ونرحمهم أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابتلاهم بهذا الأمرِ، ومنَ النَّاس مَن يتحمَّل هَذَا وهذا، ومِنَ النَّاس من لا يتحمَّل إلَّا وَاحِدًا منهما، وأيُّهما أكمل؟ الَّذِي يتحمَّل هَذَا وهذا أكمل، لكِن من النَّاس مَن لا يتحمَّل الأمر القدريَّ، وتجده يغضَب ويصير عنده غَيرة، ينفعِل فيها انفعالًا بالغًا، ويندفِع اندفاعًا كثيرًا، ومن النَّاس من ينظر إلى الأمر القدريّ فيقول: هَذَا بقضاءِ اللَّهِ وقَدَره، ولا يَكُون عنده غَيرة أبدًا إطلاقًا، وهذا أيضًا خطأ، فالواجب على المرءِ أنْ يَنْظُرَ إلى الأمورِ مِنَ النافذتينِ: نافذة القَدَر ونافذة الشَّرْع؛ ليَكُونَ مُستقيمًا، وهذا هو العدلُ.

إذَن مَن ضَلَّ منَ النَّاس فلَسنا وُكَلاءَ عليه، ولكنْ له علينا الدعوة إلى اللَّهِ، ومحاولة إصلاحِه بما نستطيعُ.

قول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [لا] إشارة إلى أن الاستفهامَ هنا بمعنى النفي، يعني فلنْ تكونَ عليه وكيلًا.

<<  <   >  >>