لا يتفهَّمون، ولو أن المُفَسِّر أبقَى الآيةَ على إطلاقها بدون تقييدٍ لكانَ أَولى، ويَكُون نَفَى السمع لانتفاءِ فائدتِه؛ لِأَنَّ ما لا يُستفاد منه كالمعدومِ، فهم لا يَسمعون وإنْ كانوا يدرِكون ما يقالُ إدراكًا حِسِّيًّا، لكنَّهم لعدمِ انتفاعِهِم بهذا السماعِ صاروا كالذينَ لا يَسمعونَ.
وقوله:{أَوْ يَعْقِلُونَ} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [ما تقول لهم] وفي هَذَا نَظَرٌ ظاهرٌ، بل المراد: يعقلون كل ما ينفعهم، يعني أَنَّهُمْ ليس عندهم عقلٌ لمِا تقول ولا لغيرِه، فالعقلُ هنا ليس العقلَ الَّذِي هو الذكاء، وهو إدراك الأمورِ، فإنهم يعقِلون بهذا المعنى، لكِن المراد العقل الَّذِي يمنع صاحبَه ويعقِله مِنَ التصرُّف بما لا يليق، هَذَا العقل الحقيقيّ، وليس العقل أنْ يُدرِكَ الإنْسَانُ المعقول، فإنَّ العقلَ الَّذِي معناه أنْ يُدْرِكَ المعقولَ هو مَناط التكليفِ، وليس مَناط المدحِ أو الذمِّ. فالآنَ صار العقلُ عقلينِ:
أحدهما: مناط التكليف، الَّذِي به يدرِك الإنْسَان ويتميَّز عن الحيوانِ.
والثَّاني: العقل الَّذِي هو مَناط المدح، وهو الَّذِي يَمنَع صاحبَه ممَّا لا يَليق، والمنفيُّ عن الكفَّار هو الثَّاني، الَّذِي هو العقل بمعنى ما يَمنع صاحبَه عمَّا لا يليق، أمَّا الأوَّل الَّذِي هو إدراك المعقولات فهذا ثابتٌ لهم، ولذلك كُلِّفوا وخُوطِبوا بالشرعِ، ولولا ذَلِكَ لمَا كُلِّفوا ولمَا وَجَبَ عليهم التزامُ الشرعِ.
هل العقل الَّذِي نفاه اللَّه عن الكفَّار يَقتضي نفيَ الذكاء عنهم؟
لا، هم أذكياء يَفهَمون الَّذِي يَنفَعهم، ويفهمون الَّذِي يضرُّهم، لكنَّهم ما عقَلوا، يعني ما مَنَعَهم هَذَا العقل عمَّا لا يليقُ، فلذلك صحَّ أنْ نقولَ: إنهم لا يعقِلون، فأبو جهل مثلًا عاقل أو غير عاقل؟ نقولُ: بالنسبة إلى العقل الَّذِي هو مناط تكليف