فَهُوَ عاقل بلا شكٍّ، ومن أَذكى النَّاس، وبالنسبة للعقل الَّذِي هو مَحَطّ المدح الَّذِي يَمتنِع الإنْسَان به عمَّا لا يليق فليس عاقلًا, ولذلك بقِي على كفرِه، مع وضوح الأدلَّة والبيِّنات على صِدق ما جاء به الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. وهنا المراد بالعقل الَّذِي نفاه اللَّه العقلُ الَّذِي يَمنَع صاحبه عمَّا لا يليق.
قوله:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} هَذَا حَصْرٌ، يعني ما هم إلا كالأَنْعامِ، أي مثل الأَنْعام، والأَنْعام هي البهائمُ، ومن المعلومِ أنك لو قلتَ لأيِّ إنْسَانٍ: أنت بهيمةٌ يَغضَب بلا شكٍّ، فاللَّه يقول:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ}، أيضًا لم يقل: إن هم إلا أَنْعام، قال:{كَالْأَنْعَامِ}، والتشبيه يَقتضي أن المشبَّه أقلُّ من المشبَّه به، ولهذا قال:{بَلْ هُمْ} هَذَا انتقال للصريح {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} يعني: أخطأ طَريقًا مِنَ الأَنْعامِ؛ لِأَنَّ الأنْعام تَهتدي لمِا ينفَعُها، وهَؤُلَاءِ لم يَهْتَدُوا لمِا ينفَعُهم، فالأَنعام إذا دعاها الراعي إلى المرعَى تأتي، وإذا دعاها إلى المَحْلَب أتتْ، وإذا دعاها إلى المأوَى أتتْ، كذلك أيضًا تنفِر ممَّا يضرُّها, لكِن هَؤُلَاءِ بالعكسِ؛ تدعوهم الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَامُ إلى ما ينفَعُهم وتحذِّرهم مما يضرُّهم، ومعَ ذلك لا يَهتدون سبيلًا, ولا يَنقادون، فصاروا إذَنْ أَضَلَّ سبيلًا مِنَ الأَنْعامِ، ولهذا بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى في آياتٍ متعدِّدة أنَّ الكفَّارَ شرُّ البِرَّية؛ شَرّ ما بَرَأ اللَّه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}[البينة: ٦]، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الأنفال: ٥٥]، يعني شَرًّا منَ الكلابِ والخنازير، وقلْ ما يُمكِن أن تقولَ مِنَ الخِسَّة في مخلوقات اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّتِي خلقها، فهم شرٌّ من ذلك، ومع هَذَا نجد من المسلمين الآنَ مَن يُكْرِمهم، بل مَن يقدِّمهم على المؤمنين، وهَذِهِ محِنة عظيمة، فبهذا السَّبب استطالَ أعداء اللَّه على المسلمينَ، رأوْا أنفسَهم عند كثيرٍ من المسلمينَ مَحَلّ التبجيل