التزامًا فائقًا على غيرِها، هَذِهِ وَاحِدة، ومن ناحية أخرى أنها هي مَهْبَط الوحي ومَنْبَع الرِّسَالةِ، وإذا قُضي على الرِّسَالة في مَهدِها ومَنْبَعِها فالأطراف من باب أَوْلَى، على أن الأطراف قد أُكِلت الآن، فما بقي إلَّا هَذَا الصُّلْب، فركَّزوا جُهُودَهم على هَذِهِ البلادِ، ولكن مع الأسفِ أن كثيرًا منَّا لا يَعُونَ خطرَ هَذَا الأمر، وهم في غفلةٍ، وما همّهم إلا الدُّنْيا, ولذلك يريدون أن يحصُلوا عليها بأيِّ وسيلةٍ. والواجبُ علينا الحذَر من هَؤُلَاءِ الأعداء، وأن نعلمَ أنَّهُ مهما حصلَ منهم مِن نُصح كما يقولونَ، وإخلاصٍ في العملِ، فما ذلك إلا شبكة يَصطادون بها مَن لا يفهمون.
على أَنَّهُمْ في الحقيقة مهما بَلَغوا من النصحِ، إن صح ذلك، فإنَّ اللَّه يقول:{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}[البقرة: ٢٢١]، ويقول:{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}[البقرة: ٢٢١]، ولاحظْ أن الآيةَ تقول:{مُؤْمِنٌ} و {مُؤْمِنَةٌ}، لا مسلم ومسلمة؛ لِأَنَّ من المسلمين مَن لا خيرَ فيه، لكِن الكَلام على المؤمنِ، ولهذا يَنبغي للإنْسَانِ أنْ يحرِص في مربِّيَات أولادِه وفي خَدَمِه أن يَكُونوا مؤمنينَ، وأن يَحذَر من هَؤُلَاءِ الأعداءِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل يَحْرُم استخدام الكافر؟
نقول: أمَّا في الأَصْلِ فيجوز استخدام الكافرِ، لكِن بالنظر إلى مفاسدِه، وأن هَذِهِ البلاد خالِيَة منهم، فإننا نَميل إلى أن منعَهم أَولى؛ لِأنَّهُ من المعروفِ أن الثوبَ الوَسِخ لا يَهُمُّ أنْ يَتَوَسَّخ، لكِن الثوب النظيف أيُّ وَسَخٍ يُدَنِّسه، فبلادنا لمَّا كانت خاليةً منهم فهي أطهرُ، كما هو معروف في حديثِ زينَبَ بِنْتِ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنها-، أن الرَّسولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ استيقظَ ليلةً فَزِعًا مُحْمَرًّا وجُهه يقول:"لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ". قالتْ: