للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَولى، وأنه لا يَنبغي أن تُجعَل خطابات القُرْآن للخصوصِ إلا بدليلٍ يَمنع العمومَ، يعني {أَلَمْ تَرَ} أيُّها الإنْسَان {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ قدَّر مضافًا فقال: [{إِلَى} فعل {رَبِّكَ}] لِأنَّهُ ليس المراد أن ينظر الإنْسَان إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بذاته، إِنَّمَا المراد أن ينظُر إليه من هَذِهِ الحيثيَّة، فيَكُون مصبّ النظر هو الفِعل.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} من وقتِ الإسفارِ إلى وقتِ طلوعِ الشمسِ]، هَذَا تفسيرٌ للظلِّ، وليس تفسيرًا للمدِّ، فالظلُّ من وقتِ الإسفارِ إلى وقتِ طلوعِ الشمسِ، وسُمِّيَ ظِلًّا لِأنَّهُ ذو نورٍ، ولَكِنَّهُ بدون شعاع شمس، فكان ظلًّا، وهذا هو الَّذِي فسَّره به ابن عبَّاس وغيره، وعليه جمهور المفسِّرين؛ أن الظلَّ ما بين طلوعِ الفجرِ إلى طلوعِ الشمسِ؛ لِأنَّهُ كما قُلْنا: نور بدون شعاعٍ، ومدُّه يعني تطويله، لِأَنَّ الفرق بين هَذَا وهذا معروف، ولكن أيّ شَيْء يَكُون فيه من آيات اللَّه؟ قوله: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} يعني غير ممدودٍ، بحيث تطلُع الشمس مباغتةً بدون مدٍّ، والواقِع بخلافِ ذلكَ، بل هو ممتدٌّ، وكونه لا يزول بطلوع الشمس هَذَا غير ممكِن، ولذلك يقول في تفسير الجَمَل في تفسير قول المُفَسِّر: [مقيمًا لا يزول بطلوع الشمس]: (بألا تطلع الشمس)، ليس المعنى تطلع ولا يزول؛ وذلك لِأَنَّ زواله بطلوع الشمس، فإذا طلعت فلا بدَّ أن يزول، المعنى أن النفيَ مسلَّط على قوله: [بطلوع الشمس]، فمعنى قوله: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} أي أن الشمس لا تطلُع، ويبقى باستمرار، يعني يبقى الأمرُ لا ليلٌ ولا نهارٌ، إسفارٌ بدون شمس.

فكَلام صاحب الجلالين يَصِحّ بأنْ نجعلَ النفيَ مسلَّطًا على قولِه بطلوعِ الشمس، يعني فلا تطلع الشمس. على كلِّ حالٍ المعنى مفهوم الآن؛ لو شاء لجعله ساكنًا فلا تطلع الشمس، أو إنْ صحَّ أن يقال: لو شاء لجعله ساكنًا فتطلع الشمس

<<  <   >  >>