للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما الفرق بين الظلِّ والفيءِ؟

هَذِهِ الْفَائِدَة قد سبقتْ، والفرق بينهما: أن الفيءَ ما نَسَخَ الشمسَ، والظل ما نسختْه الشمسُ، مثل قولنا: الظل ما قبلَ الزوال، والفيء ما بعد الزوال؛ لِأَنَّ الظلَّ الَّذِي قبلَ الزوالِ الَّذِي يُزيله ويَنسَخه الشمسُ، والفيء الَّذِي بعد الزوال ينسخ الشمسَ؛ لِأنَّهُ يمتدّ، وكلَّما امتدَّ إلى شَيْءٍ أزال ضوءَ الشمسِ عنه.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ} أي على الظلّ {دَلِيلًا} قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَا} الجملة الفعليَّة هَذِهِ هل هي معطوفة على قوله: {لَجَعَلَهُ سَاكِنًا}، أو على قوله {مَدَّ}: {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ}؟

فالجواب: معطوفة على قوله: {مَدَّ الظِّلَّ}؛ لِأَنَّ قوله {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} لو جُعِل معطوفًا على {لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} لكانت الشمس ليستْ دليلًا عليه، والأمر بخلاف ذلك، فالمعنى يفسُد، فهي إذَن معطوفة على قوله: {مَدَّ الظِّلَّ}، يعني: وكيف جعلنا الشمس عليه دليلًا, ولكنَّ فيه الْتفاتًا من الغَيبة إلى التكلُّم؛ لِأنَّهُ قال: {ثُمَّ جَعَلْنَا}، ولم يقل (ثم جعل). وقوله: {الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} يعني على الظلِّ، وكيف كانت دليلًا على الظلّ؟ يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [فلولا الشمس ما عُرف الظلُّ]، المراد بالظلِّ هنا الَّذِي يأتي من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ليس ظلّ الأنوار حيث يضع الإنْسَان له كشَّافًا، ويَكُون له ظِلال؛ لِأَنَّ هَذَا الظلّ الَّذِي يَكُون من مصباحي أنا ومصباحك أنت هَذَا ظِلٌّ نسبيّ، حتى ظِلّ الشاخِصِ إذا جَعَلْناه هو الأنوار؛ لِأَنَّهُ ليس المقصود معرفة الظل الَّذِي يَكُون بمجرَّد تسلط ضوء على جسمٍ، المراد الظلُّ العامُّ الَّذِي يعمُّ كلَّ النَّاس، وهذا لا يمكِن إلا بِجعلِ الشمسِ وحدَها هي الدليلَ عليه، لكِن قد يقول قائل: القمرُ أيضًا دليل عليه؟ فنقول: إن نور القمر

<<  <   >  >>