وتبقى في مكانٍ وَاحِدٍ، ويَكُون الظلُّ ساكنًا، لا يزيد ولا يَنقُص، ففي كون اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادرًا على هَذَا وهذا دليلٌ على كمال قُدرته ووحدانِيَّتِه في التفرُّد؛ لِأَنَّهُ لو كان معه إلهٌ آخرُ لم يكنْ له المشيئة المطلَقة في هَذَا وفي هذا.
ثمَّ فيه أيضًا من نعمة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على العبادِ في اختلاف هَذَا الظلِّ ما هو معلوم؛ لأننا لو قُدِّر أن الشمسَ تخرج هكذا بَغتةً بعد ظلام دامسٍ فقد يؤثر النور الساطع في المواشي في إبصارها، وفي بني آدم، وفي الأشجار والنبات، بخلاف ما إذا كان الشَيْء يأتيها تدريجيًّا، وكذلك أيضًا لو كان الليل والنهار دائمًا لا يزيد أحدهما ولا ينقُص، لم يكنْ في ذلك اختلاف في الفصول، ولم يكن في ذلك اختلافٌ في الأشجارِ؛ لِأَنَّ كثيرًا من الأشجار تختلِف ثِمارُها وإيناعها بحسَب اختلاف الفصولِ.
كذلك أيضًا إذا قُلْنا بأنَّ الظلَّ ظلُّ كلِّ شاخصٍ؛ فإنَّ كونَ الشمسِ تَدُورُ وتختلف الأفياءُ والأَظِلّة بحسَب سَيْرِها هو أيضًا من نعمةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومن تمام قُدرته.
فالحاصل: أن هَذَا الأمر الَّذِي قرَّر اللَّه تَعَالَى بأننا ننظر إليه في كل وقت دالٌّ على أمرينِ: تمام القُدرة، وتمام الرَّحمة؛ لِأَنَّهُ متضمِّن لهما.
إِذَا قَالَ قَائِلٌ: ما الَّذِي تختارون من هَذِهِ الأقوال؟
نقول: ما دام أن هَذِهِ المعانيَ لا تَتنافَى، فالواجب أن تُحمَل الآية على الجميعِ، وهَذِهِ قاعِدَة قرَّرناها سابقًا، وهي قد قُرِّرت أيضًا من قبلنا، قررها شيخ الإِسلام ابن تيميَّة رَحِمَهُ اللَّهُ؛ بأنه إذا كانت الآية تَحتمِل المعانيَ المذكورةَ فيها، فالواجبُ أن تُحمَل على كل هَذِهِ المعاني؛ لِأَنَّ كَلام اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يحيط به شَيْءٌ.