للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكننا نقول: لَيْسَ كَذَلِكَ، لَيْسَ قطعًا للأعمالِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قد يَقطَع أعمالَه وهو يَقْظَان، أي مع وجودِ الصحوِ واليقظةِ، ولكنَّه يقطع التعبَ كما هو مشاهَد، فالْإِنْسَان يَكُون مُتْعَبًا ثم ينام، فإذا نام انتقضَ تعبُه، فَهُوَ في الحقيقةِ قطعٌ للتعبِ الماضي وتجديدٌ للنشاط المستقبَلِ.

قوله: {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} يَعْنِي محلًّا للنشورِ، ولهذا قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [منشورًا فيه] يَعْنِي أنَّ النهارَ مَحَلُّ النشورِ وابتغاء الرزقِ، وغيره من الأعمالِ، وهذا من نعمةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يرد عَلَى هَذَا ما نحن فِيهِ اليومَ منْ كونِ الليلِ لَيْسَ لِباسًا؛ لِأَنَّ هَذَا أمرٌ طارئٌ بسَبَبِ الأنوارِ المُحْدَثة الَّتِي صَنَعَها الْإِنْسَانُ، هَذِهِ الأنوارُ لو فاتتْ لعادَ الظَّلَامُ عَلَى الْأَرْضِ، ثم إنَّ هَذَا النور والإضاءة الَّذِي يمنع كون الليل لباسًا لَيْسَ بعامٍّ في الواقعِ، بل هو أمرٌ نِسبيّ، ثمَّ هو أَيْضًا ضعيفٌ لا يَشمَل الظِّلّ، فالظِّلّ الَّذِي يحدث ضَوْء هَذِهِ الشَّمْعَة مَثَلًا يَكُونُ أسودَ لِباسًا.

وكَذَلِكَ أيْضًا قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} لا يرد عليه بعض الحالات الطارئة؛ كالحرَّاس مَثَلًا، فالحراس ينامونَ بالنهارِ وبالليلِ، فهم يَعْمَلُون، لكِن هَذِهِ الأمور نادرةٌ، والنادرُ لا يقطَع القواعد، فالقواعد لا يمكن أن تَنخرِم بالأمور النادرة، إنَّما الكَلام عَلَى العامِّ.

هَذَا أَيْضًا مِن نِعمَة اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهل أحد يستطيعُ لو لم يجعلِ اللَّهُ الليلَ أنْ يأتيَ بالليلِ؟ لا أحد يستطيع، يَعْنِي لو اجتمعَ الخَلْق كلُّهم من أوَّلهم إِلَى آخِرِهم بجميعِ صنائِعِهِم ما استطاعوا أنْ يأتوا بن صفِ ليلٍ ولا بساعةٍ من ليلٍ، كَذَلِك أَيْضًا النومُ، هل يستطيع أحدٌ أنْ يُنَوِّمَ أحدًا؟ أبدًا لا يستطيع، وحبوب النوم هَذِهِ لا ترد علينا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يُعطِي حُبوب النَّوم، ويقول: أنا استطيع أن أُنَوِّم الْإِنْسَان

<<  <   >  >>