للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بإعطائِهِ جرعاتِ النوم، نقولُ: هَذَا مِثل الَّذِي قَالَ لإِبْراهِيمَ: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨]، فإن هَذَا الَّذِي يُعطِي جُرعات النوم لَيْسَ هو الَّذِي ينوِّم، وإنما يفعل السَّبب الَّذِي يَكُون به النومُ، أرأيتَ لو أن اللَّه تَعَالَى جعلَ هَذَا الجسمَ غيرَ قابلٍ للنومِ، هل تستطيع هَذِهِ الجرعات أن تنومه؟ لا، إذَن فالنوم لا يستطيع أحد أبدًا أنْ يأتيَ به إِلَى بدنِ الْإِنْسَانِ، وحتى لو أتَى به مثلًا فقد يأتي به ولا يَكُون قاطعًا للتَّعَبِ، ولهذا امتنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به عَلَى العبادِ، وهو أمر لا يستطيع أحدٌ فِعْلَه. كَذَلِك جَعَلَ النهارَ نشورًا، مَن يَستطيعُ أنْ يَخْلَعَ هَذَا اللِّباس؛ لباس الليل، حَتَّى يَكُون الإسفار وينتشر النَّاس في مَصالحِهِم؟

الجواب: لا أحدَ يستطيعُ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولهذا امتنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ بهَذِهِ الأمورِ الثَّلاثَةِ؛ بالنومِ والليلِ والنهارِ.

إِذَا قَالَ قَائِلٌ: إنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الليلَ لِباسًا، وجعلَ النهارَ نُشُورًا، وجعلَ النومَ سُباتًا، مَحَلّ النوم هل هو في الليلِ أوْ فِي النهارِ؟

الأَصْلُ أنَّهُ في الليلِ، لكنْ قد يَكُونُ في النهارِ أيضًا، فقد يَتْعَب الْإِنْسَانُ في النهارِ وينام ثم يَستريح؛ كوقت القائلةِ مثلًا, ولذلك لا يقول قائلٌ: إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ نعمتينِ في الليلِ ونعمةً وَاحِدةً في النهارِ، بل نقولُ: إن اللَّه ذَكَرَ في الليلِ نعمةً، وهو كونه: {لِبَاسًا}، وَفِي النهارِ نعمةً، وهو كونه: {نُشُورًا}، وجعل في النوم مطلقًا نعمة، وهو أنَّه سباتٌ، يَعْنِي قاطعًا للتعَبِ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل النوم بكل أنواعِه قاطعٌ للتعَبِ؟

نقول: نعم النومُ الطبيعيُّ الَّذِي من خِلقةِ الْإِنْسَان، فأمَّا النومُ الَّذِي يحدُث بسَبَب المرضِ -لأنَّ الْإِنْسَانَ قدْ يمرضُ فيكثر معه النومُ- فالظاهرُ أنَّهُ لا يدخلُ

<<  <   >  >>