"أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ"(١) هذه مخلوقة، وقوله:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف: ١٥٦]، هذه الصِّفة الَّتِي ليست مخلوقة.
فإذَن الرَّحمةُ المضافةُ إِلَى اللَّهِ تَنقسِم إِلَى قِسمينِ؛ مخلوقة، وسُمِّيَتْ رحمةً لِأَنَّهَا من آثارِ الرَّحمةِ، وغير مخلوقةٍ، وَهِيَ صِفَتُه، والَّتِي معنا فِي قوله:{بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} هل هي المخلوقة أو غير المخلوقة؟ يَحتمِل أنَّ قولَه:{بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} معناه إذا أرادَ أنْ يَرْحَمَ، فتكون من غير المخلوقةِ، ويَحْتَمِلُ {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} بَيْنَ يَدَي المَطَرِ نفسِه، فتكون الرَّحمة هنا مخلوقةً؛ لأنَّ إِطلاقَها عَلَى المَطَرِ يَقتَضِي ذلكَ، والمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فَسَّرَها عَلَى أنها الرَّحمة المخلوقةُ؛ لأَنَّهُ قَالَ:[قُدَّامَ المَطَرِ].
وقوله:{وَأَنْزَلْنَا} من المعروفِ أنَّ الَّذِي يَكُونُ به المطرُ بإذنِ اللَّهِ هي الرِّياحُ الجَنُوبِيَّة، ولذلك يَقُولُونَ لنا: إنَّ الأوَّلينَ مِن آبائنا وأَجدادِنا إذَا هَبَّتِ الرِّيحُ الجنوبيَّة أَوْضَعُوا السواني وقالوا: الآن يأتي المطرُ، ولا حاجةَ لِأَنْ نَسْقِيَ الزرعَ، وكأنه شَيْءٌ مُعتادٌ عندَهم.
قوله:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} أي مِنَ السحابِ؛ لِأَنَّ كلَّ ما عَلاكَ فَهُوَ سماءٌ، ولا شكَّ أن المطرَ إِنَّمَا يَنزِلُ مِنَ السحابِ، فيَكُون المراد بالسماءِ هنا العُلُوّ.
وقوله:{مَاءً طَهُورًا} يَعْنِي به المطر، و (الطَّهور) بفتح الطاء هو ما يُتَطَهَّرُ به، أو ما تَحْصُلُ به الطهارةُ، وأمَّا (الطُهور) بِضَمِّها فَهُوَ التطهُّر.
هنا يقولُ:{وَأَنْزَلْنَا}، وقبلَها:{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ}، ففيه من علمِ البَديع
(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} [ق: ٣٠]، رقم (٤٨٥٠)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم (٢٨٤٦).