النصوصُ والعقلُ، فاللَّه هو الَّذِي يَهْدِي ويُضِلّ، وما معنى الهِدايَة والإضلال إِلَّا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يفعل ما يشاءُ حَتَّى فيما يَتَعَلَّق بأفعالِ العبدِ، لهذا نرى أن تقييدَ القُدْرَةِ بالمشيئةِ لا يَنبغِي ولا يَلِيقُ للوجوهِ الآتيةِ:
أولًا: أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أطلقَ هَذَا الوصفَ لنفسِهِ بدونِ قَيْدٍ، ولا يَنْبَغِي لنا أنْ نُقَيِّدَ ما أَطْلَقَهُ اللَّهُ؛ لأنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَوْقِيفِيَّة يُتوقف فِيها عَلَى ما وَرَدَ.
ثانيًا: أَنَّهُ خِلاف طَريقةِ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأصحابِهِ، بل طَريقة الرُّسُلِ كلِّهم؛ لأَنَّهُمْ يقولون:{رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التحريم: ٨]، لا يَقُولُونَ: إنَّكَ عَلَى ما تَشاءُ قَدِير، بل يَقُولُونَ: إنك عَلَى كلِّ شَيْءٍ قديرٌ.
ثالثًا: أَنَّهُ يُوهِم أن القُدرةَ تَتَعَلَّقُ بما يشاءُ فقطْ، وعلى هَذَا فيَكُونُ ما لا يشاؤه لَيْسَ بمقدورٍ عليه، وهذا معنًى باطلٌ، فَهُوَ قادرٌ عَلَى ما يشاءُ وعلى ما لا يشاءُ، لَكِنَّ ما شاء كَانَ وما لم يَشَأ لم يَكُنْ، فَهُوَ قادرٌ عَلَى الأمرينِ جميعًا، لَيْسَ عَلَى ما يشاءُ فقطْ.
مِنْ أجْلِ هَذِهِ الوجوهِ الثَّلاثَةِ نَرَى أنَّ التعبيرَ بِها لا يَنْبَغِي، وأنه مِمَّا يُرْشَدُ إليه العبدُ ويقالُ لهُ: لا تَقُلْ هكذا، لا تقيِّد ما أَطْلَقَهُ اللَّهُ لنفسِهِ، عَلَى أساسِ أنَّ الَّذِي يَقُوُله لا يريدُ هَذَا المعنى، نقولُ: يُرْشَدُ ويقالُ: هَذَا لا يَنبغِي.
وَإِذَا قِيلَ: ما الجمعُ، أو ما هو الجوابُ عن قولِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}[الشورى: ٢٩]، فهنا قال:{عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}، ونحن نَمنَع تعليقَ القُدْرَةِ بالمشيئةِ؟