للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولَكِنَّه عَدَمُ المشيئةِ، فإذا شاء أنْ يَجْمَعَهُم جَمَعَهم، خِلافًا لمَن يُنكِرون ذلكَ، لِمَن يَقُولُونَ: إِنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَجْمَعَهُمْ، فيَكُون التقييد هنا بالفعلِ، أي أن تقييدَ المشيئةِ عائدٌ عَلَى الفعلِ، لا عَلَى القُدرة، فَهُوَ قادر عَلَى جَمْعِهِم كلَّ وقتٍ، لَكِنَّه لمَّا كَانَ عَزَّ وَجَلَّ لا يريد أنْ يَجْمَعَهُمْ إِلَّا فِي وقتٍ معيَّن {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} مؤقَّت {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤)} [هود: ١٠٤]، كل الدُّنْيا أَجَل مَعْدُود، ناهيك عن قِصَرِها مهما طالتْ.

فنقول: إن هَذَا عائدٌ عَلَى الجمعِ، وهو فِعْل، فكأنَّ اللَّهَ يقولُ: إِنَّهُ إذا أرادَ هَذَا الفعلَ فَهُوَ قادرٌ عليه، فعلى هَذَا لا يرد ما ذُكِرَ فِي سابقا ولا ما جاءَ فِي الآيةِ الكَريمةِ مِنْ تَقييدٍ بالمشيئةِ؛ لأنَّ هَذَا التقييدَ عائدٌ عَلَى الفِعلِ، وَلَمْ يُرَد بِهِ الصِّفةُ المطلقةُ: صفةُ القُدرة، وهو ظاهر جِدًّا بالنسبة للحديثِ؛ لِأَنَّهُ قال: "عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ" (١).

إذَن نَرْجِع إِلَى كَلامِ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ؛ فنقول: كَلام المُفَسِّر فِيهِ نظرٌ من وجهينِ: الوجهُ الأوَّلُ: تفسير القديرِ بالقادرِ، والثَّاني: تَقْيِيد ذَلِكَ بالمشيئةِ.

* * *


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجا، رقم (١٨٧).

<<  <   >  >>