للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نقول: صحيحٌ، إذا قُلْنَا: متعلقة بـ (خبيرًا) فواضح ولا نحتاج إِلَى أيِّ تقديراتٍ، يَعنِي فاسألْ خبيرًا بِهِ يُخْبِركَ عنه، ويَكُون هذَا وجهًا رابعًا، وهذا الوجهُ فِي الحقيقةِ عندي الآنَ أَنَّهُ أحسنُ الأوجهِ، وليس فِيهِ تكلُّفٌ، ويَكُون تقديمُه عليه لمُرَاعَاةِ الفواصلِ، والأَصْلُ: فاسأل خَبيرًا به.

لَوْ قَالَ قَائِل: هل يُمْكِنُ أَنْ نَحْمِل معنى قولِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} عَلَى التعظيمِ؟

يُمكِن أنْ تتضمن هَذَا بمعنى {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}، يَعْنِي: اسألْ مَن هو مِن أعلمِ النَّاسِ خِبرةً بما يُخْبِرُكَ بِهِ معناهُ، إِنَّمَا أخبرناك بذلكَ ونحنُ أعلمُ مَن يُخبِرك بِهِ، فكأنه من بابِ التعظيمِ والمبالغةِ، قَالَ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} ولَيْسَ المرادُ حقيقةَ السؤالِ، إِنَّمَا المراد التعظيم، يَعْنِي: ما أعظمَ مَن أَخبرَكَ خِبرةً. وهذَا وجهٌ جيِّدٌ، ولا تمُانِعُهُ الآيةُ.

لَكِنْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَنِ المرادُ بِهذَا الخَبيرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أنْ نَسْأَلَهُ؟

الخبيرُ هو اللَّهُ، فكأنه عَزَّ وَجَلَّ يقولُ: فاسألْ بِهِ خبيرًا، يَعنِي خُذِ الخِبْرَةَ والعلمَ منِّي؛ لأنّي خبيرٌ بنفسي، هذَا المعنى، ومنه قولُ عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: "عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ" (١) تعني نفسَها حينما سُئِلَتْ عن مسألةٍ.

فالمعنَى: اسألْ عنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَبيرًا بِهِ وهو نفسُه.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، رقم (٣٤٩).

<<  <   >  >>