للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كمالِ قُدرة اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وعَظَمَتِه؛ لِأَنَّ عِظَم المخلوقِ يَدُلّ عَلَى عِظَمِ الخالِق، كما أنَّ عِظَم الفعلِ فِي غيرِ الخالقِ يدلّ عَلَى عَظَمَةِ الفاعلِ ومَهارتهِ وقُدرَته، ولهذا النَّاس إذا رَأَوْا بناءً مُحْكَمًا يُثْنُونَ عَلَى البانِي أوَّلًا، ثم عَلَى البِناء.

ويُذْكَر فِي (الحيْدَة) الَّذي يُنْسَبُ إِلَى عبد العزيز الكناني، إنْ صَحَّ عنه، أن أحدَ الَّذِينَ ناظروه عند الخليفةِ انتقدَ خِلْقَتَه، فَقَالَ له: عبد العزيز الكناني: أنت ما انْتَقَدتَنِي، إِنَّمَا انتقدتَ الخالِقَ. ثم ضربَ مثلًا بأنه لو كَانَ الجِدَار الَّذِي عند الخليفةِ مُشَوَّهًا ومائلًا، ثم عِيبَ الجِدار، فالعَيْب يَقَع حقيقة عَلَى الباني الَّذِي بناه، فخِلْقَة الْإِنْسَانِ ليستْ مِنِ اختيارِهِ، فلا يُذَمُّ عَلَيْهَا (١).

ولذلك ما وَرَدَ من الأحاديثِ الَّتِي تُعَلِّق الذمَّ عَلَى الخِلقة فإنما ذلك لَيْسَ للخلقةِ نفسِها، ولَكِنه دليلٌ عَلَى ما تُحْمَل عليه هذه الخِلْقَة من الصِّفاتِ الَّتِي يُذَمُّ عَلَيْها العبدُ؛ لأَنَّهُ وُجِدَ فِي بعضِ الأحاديثِ ذَمٌّ، ثمَّ يُفَسِّره العلماءُ بِصِفَاتٍ خلقيَّةٍ، هذَا الذمُّ المعلَّق عَلَى صفةٍ نقولُ: إذا صحَّ أنَّ الحديثَ يُفَسَّر بهذه الصِّفاتِ الخَلْقيَّة فليس ذلك لأجلِ هذه الصِّفات الخَلْقية، ولَكِنْ لمِا تَتَضَمَّنَهُ غالبًا من صفاتٍ فعلية أو خُلقية للإنْسَان؛ إذِ الْإِنْسَانُ لا يُذَمُّ عَلَى ما خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ، وإنما يُذَمُّ عَلَى ما كَانَ باختيارِهِ.

الْفَائِدَة السادسةُ والسابعةُ: استواء اللَّهِ عَلَى عَرشِهِ؛ لِقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، وأنَّ الاستواءَ مِن الصِّفاتِ الفعليَّةِ، لَيْسَ مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّة؛ لِأَنَّهُ مرتَّب بعد خلقِ السَّمواتِ، يَعْنِي حادثًا، وهل الاستواء قبلَ خلقِ السَّمواتِ والْأَرضِ


(١) الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن، لأبي الحسن عبد العزيز بن يحيى بن مسلم ابن ميمون الكناني المكي (ص ٣١).

<<  <   >  >>