للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثابتٌ أو لَيْسَ بثابتٍ؟ نقول: الاستواءُ عَلَى العَرشِ قبل الخلْق لا نَتكلَّم فيه، اللَّهُ أعلمُ به، لَكِن الاستواء عَلَى العرشِ حِينَ الخلْق لَيْسَ بموجودٍ؛ لِأَنَّ ذلكَ ينافي قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى}، أمَّا قبل الخَلْقِ فالواجبُ السكوتُ عنه؛ لِأَنَّ ذلك لَيْسَ بِوُسْعِنا، واللَّه تَعَالَى لم يُخْبِرْ عن نفسِهِ بِهِ.

الْفَائِدَة الثامنة: ثُبُوت صفةِ الرَّحمةِ للَّه؛ لقولِهِ: {الرَّحْمَنُ}، وإضافة الاستواء إِلَى الرَّحمنِ فِي قولِه: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} ففيه إشارةٌ إِلَى أنَّهُ تَعَالَى مع عُلُوِّهِ عَلَى جميعِ مخلوقاتِه فإنَّ رحمتَه شاملةٌ لجميعِ الخَلْقِ، وليس كعُلُوِّ غيرهِ مِمَّن إذا على تَجَبَّر وتَكَبَّر وأخذ بالعُنْف والغِلظة.

الْفَائِدَة التاسعة: عِظَم صفاتِه تَبارَكَ وَتَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}.

الْفَائِدَتان العاشرةُ والحاديةَ عشْرةَ: أَنَّهُ لا تُطْلَبُ معرفةُ اللَّهِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ: مِنَ الخَبيرِ بِهِ، وهو اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لقولِهِ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}، وأن هذه الآية تَشْهَد لمِا عليه أهلُ السنَّة والجَماعَة من أن أَسْماءَ اللَّهِ وصفاتِه تَوْقِيفيَّةٌ، لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يُثْبِتَ منها إِلَّا ما أَثْبَتَهُ اللَّه ورسوله، يَعْنِي أن وصفَ اللَّهِ تَعَالَى لا يَكُون إِلَّا بِحَسَبِ ما عَلِمْنَاهُ منه، فلا يُمْكِن أنْ نَصِفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لم يَصِفْ بِهِ نفسَه، ولهذا قَالَ العلماءُ: إن أَسْماءَ اللَّهِ وصفاتِهِ توقيفيَّة، هذَا هو القَوْلُ الصحيحُ الراجِحُ، وإِنَّه لَيْسَ لنا أنْ نَصِفَ اللَّه تَعَالَى بما لم يَصِفْ بِهِ نفسَه؛ لِأَنَّ ذلك ينافي كمالَ الأدَبِ معَهُ، قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١]، وكما أنَّهُ لَيْسَ لنا أنْ نُحْدِثَ فِي شَرعِه شَيْئًا فليسَ لنا أن نَصِفَهُ بشَيْءٍ لم يَصِفْ بِهِ نفسَه، وللَّهِ المثلُ الأعلَى.

فَلَوْ قِيلَ لإنْسَانٍ: تحَدَّثْ عن رجلٍ، وهذا الرجلُ غائبٌ عنه، هل يملِك أنْ يَتَحَدَّث عن شَيْءٍ من صفاتِهِ إِلَّا ما يَعْلَم من الصِّفات البشرية، بأن يقول: هو إنْسَان

<<  <   >  >>