للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحن نقول هَذَا ونقرِّره، وإنْ كنَّا مقصِّرين، لكِن لا بدَّ من بيانِ الحقِّ، والتقصير عَلَى أنفسِنا فِي الحقيقةِ، لَكِنَّنا نرى أن الداعيةَ إِلَى اللَّهِ، بل والعالِم الَّذِي أعطاهُ اللَّهُ علمًا، لا بدَّ أنْ يَنْشُرَهُ وأن يدعوَ إليه، وإلَّا صار حجَّةً عليه، وربما لا يكرهونه إِلَّا فِي الظاهِرِ، لِأَنَّ فِي أنفسهم مِنَ الحَسَدِ أو ما فِي أنفسهم من كراهةِ مخالفةِ هواهُمْ ما يؤدِّي إِلَى أَنَّهم يعادونه ظاهرًا وإنْ كانتْ قلوبهم تحبّه، فربما يَكُون هَذَا أيضًا.

عَلَى كل حالٍ فالمسألة أَنَّهُ إنْ أصابكَ ما أصابكَ مِنَ الأذى مع الاستقامةِ، فإن هَذَا لِرِفْعَةِ درجاتِكَ، وإنْ أصابَكَ ما أصابكَ من الأذى معَ عدمِ الاستقامةِ، يَعْنِي إما خطأ فِي سبيل الدعوةِ فما استعملتَ ما أرشد اللَّه إليه مِنَ الحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ والمجادلةِ بالَّتِي هي أحسنُ، فإن هَذَا الأذى يَكُون تكفيرًا لسيئاتِكَ الَّتِي وقعتْ منكَ، فأنتَ عَلَى كل حالٍ لا بدَّ أن تُنالَ بأذًى، لَكِنه إما رفعة للدرجاتِ أو تكفير للسيئاتِ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: بعض النَّاس يَقُولُونَ: كيف نَدْعُو النَّاسَ ونحن عاجزونَ عن إصلاحِ أنفسِنا؟

فنقول: إذا لم تَدْعُ النَّاسَ فأنتَ أفسدتَ نفسَكَ باختيارِكَ؛ لِأَنَّ من إصلاح نفسِكَ الدعوةُ إِلَى اللَّهِ، فإذا لم تدعُ إِلَى اللَّهِ أفسدتَ نفسَكَ باختيارك، فاتقِ اللَّهَ ما استطعتَ، أمَّا أنْ تَتْرُكَ واجبًا لأنك تترك واجبًا آخرَ فهَذَا لَيْسَ بصحيحٍ. ولَا شَكَّ أَنَّهُ من سُوء الأدبِ، ومن عدمِ الحِكْمَةِ أن الْإِنْسَانَ يدعو إِلَى أمرٍ وهو متلبِّس بضدِّ ما يأمر به:

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ (١)


(١) مجمع الأمثال (٢/ ٢٣٨).

<<  <   >  >>