للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حينما تكلمَ للناسِ جميعًا وللسَّحَرَةِ بالأخصِّ، فَقَالَ لهم: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: ٦١]، فهَذَا كَلامٌ قاسٍ وتَوَعُّد ووعيد، ومع ذلك قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [طه: ٦٢]، و (الفاء) تَدُلُّ عَلَى التفريعِ والتعقيبِ، يَعْنِي صارت هَذِهِ الكلمة بمنزلةِ ما يُسَمُّونَهُ بالقنبلةِ الَّتِي فَرَّقَتْهُمْ، فأنتَ لا تَظُنُّ أنَّ كَلِمَتَكَ الَّتِي تَقُولهُا للَّه تَضِيع سُدًى، لا بدَّ لها من تأثيرٍ، وهذا التأثيرُ وإنْ كَانَ قد لا يَكُونُ فِي الوقتِ الحاضَرِ، ولَكِنَّه لا بدَّ أن يؤثِّر.

والنَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَعَا قَوْمَه وأُوذِيَ إِلَى حَدِّ أَنَّهُم يَضَعُونَ السَّلَا عليه وهو ساجدٌ (١)، وإلى حدِّ أَنَّهُمْ يُلْقُونَ العَذِرَاتِ والأقذارَ عندَ عَتَبَتِه.

وأنتَ إذا كنتَ مؤمنًا بقولِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]، ما يَضُرُّكَ هذا، فالعاقبةُ للمتَّقين، وأنا قلتُ قبلَ ذلك: إن المرادَ بنجاح الدعوةِ نجاحُ الجنسِ، لا الشخص، قد لا تَنْجَح أنتَ بشخصِكَ وتموت وأنت ما نِلْتَ المقصودَ، لكِن الكَلام عَنِ الدَّعوة أنها نجحتْ وأثرت، وهذا لا بدَّ أنْ يَكُونَ، ونحنُ قُلْنَا هَذَا مِن قبل، ثم اقْرَأْ قولَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان: ٢٣]، ماذا بعدها؟ لم يقل فاشكر نعمةَ ربك عَلَى هَذَا الإنزال قال: {فَاصْبِرْ} [الإنْسَان: ٢٤]، معنى ذلك أن الَّذِي يَتَحَمَّل هَذَا القُرْآن، سواء نزل عليه أو حَفِظه، لا بدَّ أنْ ينالَهُ ما يناله، سواء بالنسبةِ لنفسِهِ الَّتِي تأمُرُه بالسُّوء وبمخالفة هَذَا الوحي، أو بالنسبة لغير، أَمَّا هَذِهِ الأشياء فهي جُبْنٌ فِي الحقيقةِ ومن الشيطانِ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧٥]،


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، رقم (٢٩٣٤)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أذى المشركين والمنافقين، رقم (١٧٩٤).

<<  <   >  >>