نقول: هَؤُلَاءِ الكفارُ أنكروا أمرينِ؛ أَنْكَرُوا السجودَ، قالوا:{أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}، كأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: ولو جاء الأمر من غيرِكَ لَكِنَّا نَنْظُر. والثَّاني: إنكار الرَّحمنِ {وَمَا الرَّحْمَنُ}، فهل كل كافِرٍ ينكر الرَّحمنَ، لا نَدْرِي.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَزَادَهُمْ} هَذَا القَوْلُ لهم {نُفُورًا} عن الإيمانِ] والعياذ باللَّه، يَعْنِي ما زادهم إقبالًا ولا امتثالًا، بل زادهم نفورًا، وَفي هَذَا دَليلٌ عَلَى أن واجبَ الداعِيَةِ أنْ يَدْعُوَ إِلَى اللَّهِ، سواء امتثلَ المدعوُّ أمْ نَفَرَ، وقد كَانَ بعضُ النَّاسِ يسألُ يقولُ: إذا كَانَ هَذَا المدعوُّ إذا دَعَوْتُه يزدادُ نفورًا وكراهِيَةً للشرعِ، ولِمَا يُؤْمَرُ بِهِ، هل يجوزُ أنْ أَدْعُوَهُ أو يَحْرُم أنْ أدعوَهُ؛ لأني أكونُ سَبَبًا لنفورر واستكبارِهِ، ونفورُهُ واستكبارُهُ أعظمُ من مَعْصِيَتِهِ المجرَّدة، يقول: أنا إذا دعوتُ أخي أو عمِّي أو أبي ازدادَ نفورًا واستكبارًا، فأكون سَبَبًا لاستكبارِهِ ونفورِهِ وكراهِيَتِهِ للحقِّ، وذلك أعظمُ من مجردِ المعصيةِ أو تَرْك الواجبِ، فهل أَتْرُكُهُ أو أدعوه؟ وحينَئذٍ أَرَى نفسِي فِي حَرَجٍ أنِّي تَسَبَّبْتُ له فوقعَ فِي هَذَا الأمرِ العظيمِ؟
نقول: في الآية الَّتِي مَعَنَا يقول اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا}[الفرقان: ٦٠]، هل الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لمَّا رأى هَؤُلَاءِ يَزْدَادُونَ نفورًا تركَ الدعوةَ؟
الَّذِي نرى أنَّهُ يَجِبُ أنْ تدعوَ عَلَى العمومِ، وليس عليكَ هُداهم، ولَكِن اللَّه يَهْدِي مَن يشاء؛ لأنَّكَ إذا سَكَتَّ عنه استمْرَأَ المعصيَةَ ولم يَرَهَا معصيةً، ولم يَسْتَقِمْ، ثم هو أَيْضًا ربما يَستكْبِر، ولَكِنَّه بعدَ ذلكَ يَرجِع ويحاسِب نفسَه، والكلمة الَّتِي تقالُ للَّهِ لا بدَّ أن تؤثِّر تأثيرًا بالغًا، وما نحن ببعيدٍ عن تكرارِ قضيَّة موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ