ثم الاستكبار عن أمرِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قوله عَزَّ وَجَلَّ: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} فِيهَا قراءة، يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بالفوقانيَّة والتحتانيَّة] قراءتان سَبعِيَّتانِ (١)، أمَّا عَلَى قراءةِ التحتانيَّة: "لِمَا يَأْمُرنا" فلا إشكالَ فِيهَا؛ لِأَنَّ التقديرَ: أنسجد لمِا يَأْمرنا القائِل، لكِن عَلَى قراءة {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} هنا خَصَّص، ويقصدون بقولهم: {لِمَا تَأْمُرُنَا} النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قال: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} فما الحِكْمَة فِي أنَّهُ عَبَّر فِي الأوَّل بالعمومِ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} أَبْهَمَ القائلَ لعمومِه، وهنا قَالَ: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}؟ يَعْنِي كأنَّ كلَّ أحدٍ يَأْمُرُهم بالسجودِ، يَعْنِي مهما قِيلَ لهم يَقُولُونَ للقائلِ: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}، فيَكُون فِي الأَوَّل حكَى ما يُقال، وهنا حكاها عَلَى سبيلِ المخاطبةِ، هم يَقُولُونَ لكلِّ إنْسَانٍ: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}.
فعلى هَذَا التقدير الَّذِي قُلْنَا لا يَكُونُ المرادُ بقولهِم {لِمَا تَأْمُرُنَا} الرَّسول، بل {لِمَا تَأْمُرُنَا} أيُّها القائل، فيَكُون هنا عُدُولٌ عن الغَيْبَة إِلَى الخِطاب، يَعْنِي إذا قِيلَ لهم: {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} قَالُوا لمِن قَالَ لهم: اسْجُدُوا: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}.
وعلى رأي المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ نقولُ: الآمِرُ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فيَكُون فِيهِ عُدُولٌ عن العمومِ إِلَى الخصوصِ، إذا كَانَ المعنى: أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنا يا مُحَمَّدُ يَكُون عدولًا عن العمومِ إِلَى الخصوصِ، فإذا أَنْكَروا ذلكَ مِنَ النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فإنكارُهُم إيَّاه من غيرِه من باب أَوْلَى.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قولُه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} عامٌّ فِي كفَّار مكَّة وغيرهم من الكفارِ الَّذِينَ سيأتون وهَذِهِ صِفَتُهم؟
(١) الحجة في القراءات السبع (ص: ٢٦٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute