للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حيث أَتَى بالليلِ بدل النهارِ، وبالنهار بدل الليلِ، ولوِ اجتمعَ الخَلْق عَلَى أنْ يغيِّروا هَذَا النظامَ فيأتوا بالليلِ بدلَ النهارِ أو بالعكسِ ما استطاعوا إِلَى ذلك سبيلًا.

ثانيًا: مِمَّا تتذكره فِي هَذَا الليل والنهار تَذَكُّر المَوْتِ والحياة {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: ٦٠]، وَفِي الحقيقةِ أن الْإِنْسَان إذا قامَ مِنَ الليلِ يشعر كأنه خُلِق من جديدٍ، يَعْنِي لو يتصور الْإِنْسَان أن الوقتَ كله نهار أو كله ليلٌ ما حَصَلَ هَذَا النشاط الَّذِي يَتَجَدَّد له كلَّ يومٍ، ويشعر بأنه دخلَ فِي حياةٍ جديدةٍ، ولهذا سمَّاه اللَّه تَعَالَى بَعْثًا، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام: ٦٠]، حيثُ تتذكر البَعْث بعدَ المَوْت.

كَذَلِك أَيْضًا مما يتذكَّر ويتَّعظ بِهِ أَنَّهُ يتذكر مُطلَق البَعْث وأن اللَّه قادِر، يتذكر أَنَّهُ لا بدَّ من يَقَظَةٍ بعد الرَّقْدة، وذلك فِي يوم القيامةِ، قَالَ تَعَالَى: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: ٥٢] فلا بدَّ مِن هَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّة اللَّه، لكِن يوم القيامةِ يوم وَاحِدٌ، لا ليلَ فِيهِ، بل هو دائمًا عَلَى ما هو عليه.

كَذَلِك أَيْضًا ما قاله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ التذكُّر العمليّ أن الْإِنْسَانَ إذا نَسِيَ عبادةً فِي ليلٍ قَضاها فِي النهارِ، أو فِي نهارٍ قَضاها فِي الليلِ، أو إذا لم يَتُبْ فِي النهار تابَ فِي الليل "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ" (١) والنَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذا غَلَبَهُ نومٌ أو وَجَعٌ فما يُصَلِّيه فِي الليلِ قَضَاهُ فِي النهارِ (٢) فهذا أَيْضًا من التذكُّر العَمَليّ.


(١) أخرجه مسلم: كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، رقم (٢٧٥٩).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، رقم (٧٤٦).

<<  <   >  >>