للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رحمةَ اللَّهِ، ويخافُ عذابَه، فالْإِنْسَان إذا صلَّى وزكَّى وصامَ وحجَّ وبرَّ والديْه ووصلَ رَحِمَهُ ماذا يريد بذلك؟ يريد بذلك ثوابَ اللَّهِ، فكأنَّه يقولُ: رَبِّ أَثِبْنِي وأَعْطِني الجنَّة وأَنْجِنِي منَ النارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذلك، لهذا سُمّيَتِ العِبَادَةُ دعاءً، فحقيقةُ الأمرِ أنَّ التعبُّدَ للَّهِ دعاءٌ بلسانِ الحالِ، فإنَّ الْإِنْسَانَ العابدَ لو سألتَه: لمِاذا عَبَدْتَ اللَّهَ؟ قَالَ: رجاءَ ثَوَابِهِ وخوفَ عِقابِه، فَهُوَ فِي الحقيقةِ داعٍ.

وَأَمَّا دُعاءُ المسألةِ فواضِحٌ، لكِن كيفَ كَانَ دعاءُ المسألةِ عبادةً؟ نقول: لِأَنَّهُ يدلُّ عَلَى الذلِّ والخُضُوعِ، فَهُوَ راجٍ خائِف لمِن دعاهُ، ولأنه مُقِرّ بأنه لا يقدر عَلَى الإجابةِ إِلَّا اللَّه، فكأنه ثناءٌ عَلَى اللَّهِ، والثناءُ عَلَى اللَّهِ مِنَ العِبَادَةِ، وهَذِهِ هي حقيقةُ العِبَادَةِ، فهم لا يَدْعُون معَ اللَّهِ إلهًا آخرَ، لا دعاءَ عبادةٍ ولا دعاءَ مسألةٍ، ولا يُنافي هَذَا أن يسألوا المخلوقينَ ما يقدِرون عليه، فإنَّ ذلكَ باعتقادِهِمْ أن هَؤُلَاءِ المسؤولينَ سَبَبٌ، ولَيْسُوا مُسْتَقِلِّين، فعندما يسألُ الْإِنْسَانُ غنيًّا أو سلطانًا شَيْئًا منَ الدراهمِ فهو يَعتقِد أن هَذَا المسؤولَ مجرَّد وسيلةٍ فقطْ، وليسَ مستقِلًّا بالعطاءِ والمنعِ، وإنَّما العطاءُ والمنعُ بِيَدِ اللَّهِ، وهذا الَّذِي أعطاكَ أو مَنَعَكَ إِنَّمَا هو وسيلة.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ذكرتُمْ أن عِبادَ الرَّحمنِ يجوزُ لهم سؤال المخلوقينَ ما يَقدِرونَ عليه، فكيف نَجمَعُ بَيْنَ هَذَا وقولِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣]، وكَذَلِك ما وردَ فِي الأحاديثِ فِي النهي عن السؤالِ؟

الجواب: السؤالُ أحيانًا يَكُونُ محمودًا، وأحيانًا يَكُونُ مذمومًا، وأحيانًا يَكُون مكروهًا، إمَّا كَرَاهة أو تَحريمًا؛ لأنَّ الْإِنْسَانَ قد يسألُ عندَ الضرورةِ، فمُباحٌ له أنْ يسألَ عندَ الضرورةِ، يَعْنِي لو أن الْإِنْسَانَ جاعَ حَتَّى وصلَ إِلَى حدٍّ إمَّا أن يموتَ وإما أن يسألَ فهنا يجوز له أنْ يسألَ، يجوز فِي الأَصْلِ وقد يَجِب.

<<  <   >  >>