فبينهما غاية النفور، فكيف يمكن أنْ تكونَ زوجة له، لكِن صحيحٌ أن الجنَّ يتناكحون، والدليل قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}[الكهف: ٥٠]، فهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَزَاوَجُونَ ويتوالدونَ، وهذا صريحُ القُرْآنِ، والواقعُ أَيْضًا يَشْهَدُ له، أمَّا كونُ الجنيِّ يَتَزَوَّج الإنسيَّة، أو الإنسيّ يَتَزَوَّج الجِنِّيَّة؛ فهذا فِيهِ نظر، فالصواب قولُ مَن يَمْنَع ذلكَ، ولهذا الفقهاء قالوا: لو قالتِ امرأةٌ: إِنَّ بِهَا جنِّيًّا يُجامِعُها كالرجل، وجب عَلَيْهَا أنْ تَغْتَسِلَ، ولَكِن هَذَا أولًا يُنْظَر فِي إمكانه ووُجُوده ثم يُنْظَر فِي حُكْمِه.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل يُقام عَلَيْهَا الحدُّ؟
نقول: لا، إِلَى هَذَا الحدّ لا أَظُنّه، ونقول للسائل: انْتَبِهْ لهم الليلةَ، فالظاهرُ أنَّ هَذَا البحثَ الدقيقَ قد يَجْعَلُهُم يَتَّصِلُونَ بِكَ الليلةَ!
والغالبُ أنَّهم يُكَلِّمون، وقد ذَكَرنا -كما تَقَدَّم- أنَّ الجِنِّيَّ يُكَلم شيخَ الإسلامِ ويخاطبه، ويأخذ عليه العهدَ، وأنه يَضْرِبه، لكِن يقول: إن الضربَ يَقَعُ عَلَى المصروعِ فِي الظاهرِ، وهو فِي الحقيقةِ عَلَى الصارعِ، فإذا أفاقَ المصروعُ لا يُحِسّ.
وأذكُرُ أن وَاحِدًا من الإخوانِ قُدِّمَ إليه رجل قالوا: إِنَّهُ مَصروعٌ، فَقَالَ: أَعْطُونِي الْعَصَا، وبدأ يَضْرِبُه حَتَّى ازْرَقَّ جِلْدُه، ولم يَسْتَفِدْ المصروع من هَذَا الشَيْءِ أبدًا، المْسكين يَصْرُخُ ويقولُ: آلمْتُمُونِي. ولمَّا قام إذا الضربُ واقعٌ عليه. فهو يريدُ أنْ يفعلَ مثلما فعلَ ابن تيميَّة، فظنَّ أن كلَّ إنْسَانٍ يَحصُل له مثلُ هَذَا الأمر يُفْعَل بِهِ هَذَا الفعلُ!