أنْ تعودَ لمَا سبقَ كلّه، فيقتضي أنْ يَكُونَ: ومن يفعل ذلك المذكور من دعاءِ غيرِ اللَّهِ، وقتلِ النفسِ، والزنا، ثلاثة {يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}، وهذا الَّذِي قَرَّرناه من عَوْدِه عَلَى الجميعِ نَسْلَمُ بِهِ من إيرادٍ سيأتي عندَ قولِه: {وَيَخْلُدْ فِيهِ} [الفرقان: ٦٩]، فإن الزِّنا لَيْسَ موجِبًا لِلْخُلُودِ فِي النارِ.
والقتلُ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي سورة النساءِ أَنَّهُ مُوجِب للخلودِ فِي النار، وسيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ ذِكْرُه قَريبًا.
فعَوْدُ الكَلامِ عَلَى الثَّلاثَةِ نَسْلَمُ بِهِ من الإيرادِ الآتي إن شاء اللَّه، وَأَمَّا إذا فَعَلَ وَاحِدًا منها عَلَى الِانفرادِ فيُؤْخَذ حُكْمُه من دليلٍ آخرَ لَيْسَ بلازمٍ أنْ نَأْخُذَهُ من هَذِهِ الآيةِ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يَلْقَ أَثَامًا} أي عقوبة] والأَثَام والنَّكال بِمَعْنًى وَاحِدٍ، والعقوبةُ والنَّكال بمعنًى وَاحِدٍ أَيْضًا، فالمرادُ بالأثام هنا العُقُوبة، وهو مفرَد وليسَ بِجَمْعٍ؛ لِأَنَّ الجمع (آثَام) جَمْع إثمٍ، وَأَمَّا قوله: {أَثَامًا} فمُفْرَد.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{يُضَاعَفْ} وِفي قراءة "يُضَعَّفُ" بالتَّشْدِيد (١)]، وَهِيَ سَبْعِيَّة "يُضَعَّفُ" و"يضاعَف"، والمضاعَفَةُ والتضعيفُ بمعنَى تَكريرِ الشَيْءِ، وإنَّما ضُوعِفَ له العذابُ لِأَنَّهُ فَعَلَ ثلاثةَ أسبابٍ للعذابِ، وَهِيَ الإشراكُ باللَّهِ، وقتلُ النفسِ، والزِّنا، ومعلومٌ أنَّ الأَسْبابَ إذا اجْتَمَعَتْ صارَ لكلِّ وَاحِدٍ منها أَثَرُه، فمَن فعلَ شَيْئًا وَاحِدًا من ثلاثةٍ فعليهِ إثمُه، ومن فعل اثنينِ فعليه إثمهما، ومَن فعلَ ثلاثةً فعليه إِثْمُهُنّ، فهذا وجهُ التضعيفِ.
قوله: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} العذابُ والنَّكَال بمعنًى وَاحِدٍ، وهو العقوبةُ.
(١) الحجة في القراءات السبع (ص: ٢٦٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute