للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى نفسِه إذا أَفتى بغيرِ علمٍ، ثم سألَ عالِمًا: هل له من توبةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، ومَن يَحُولُ بينَكَ وبينَ التوبةِ؟ ! ولَكِنَّه أرشدَهُ إِلَى أنْ يَخْرُجَ من قريتِه هَذِهِ إِلَى قريةٍ أخرى يَكْثر فِيهَا الصالِحُون (١) إِلَى آخِرِ الحديثِ، فإذا كَانَ هَذَا فِي بني إسرائيلَ، فما بَالُكَ بهَذه الأُمَّةِ الذينَ وَضَعَ اللَّهُ عنهم الآصَارَ والأغلالَ، يقولُ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف: ١١١]، والنَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لم يَقُصَّها علينا مِنْ أجْلِ أنْ نَفْهَمَ القصةَ فقطْ، لَكِنْ لِنَعْتَبِرَ بِهَا، وإلَّا لكانتْ لَغْوًا، أمَّا كونُها فِي شريعةٍ منسوخةٍ فإنَّ مثلَ هَذِهِ الأمورِ لا يَدْخُلُها النسخُ، يَعْنِي كون اللَّه يتوب عَلَى مَن تاب هَذَا من صفاتِه الَّتِي لا تَتَخَلَّف، ثم إنَّ نَسْخَها لا يُمْكِن أنْ يُنْسَخَ إِلَى أسوأ فِي هَذِهِ الحالِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الأُمَّة أكملُ مِن غَيْرِها، فقد رفعَ اللَّهُ عنها الآصارَ والأغلالَ، ولو كانتِ التوبةُ لا تُقْبَل مِنَ القاتلِ لكانَ هَذَا مِن أعظمِ الآصارِ والأغلالِ الَّتِي عَلَى هَذِهِ الأُمَّة، ولهذا بنو إسرائيلَ ما يَقُصُّ اللَّهُ علينا شيئًا من قَصَصِهِم، ولا كَذَلِك النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا للتحذيرِ مما يُكرَه والترغيبِ فيما يُجَبّ.

والتوبةُ مِن قَتْلِ النفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ هل يَتَعَلَّقُ بِهَا حقٌّ آخَرُ لغيرِ اللَّهِ؟

الجواب: نعم يَتَعَلَّق بِهَا حقانِ آخرانِ، أَحَدُهما حقُّ المقتولِ: الميِّت، والثَّاني حقُّ أولياءِ المقتولِ، فلا تَصِحُّ التوبةُ إِلَّا بتمكينِ ذَوِي الحقوقِ أنْ يأخذوا بِحُقُوقِهِم. فنقولُ: الميِّت لا يُمْكِنُ الوصولُ إِلَى أَخْذ بحقِّه، لا يمكن لِأَنَّهُ مات ولا نعلم عنه وربما نعلم فِي الحقيقة أحيانًا إذا لم يَمُتْ حَتَّى أَبَاحَ صَاحِبَهُ، ربما نَعْلَمُ لَكِنْ فِي الغالبِ أَنَّهُ لا يعْلَم، وَأَمَّا أولياءُ المقتولِ فالتمكينُ مِن حَقِّهِم مُمْكِنٌ، فيذهب إليهم ويُسَلِّم


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، رقم (٣٤٧٠)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم (٢٧٦٦).

<<  <   >  >>