للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نفسَه لهم، ويقول: أنتُمُ الآنَ بالخيارِ: تُريدون الدِّيَة، تُرِيدون القَتْل، تُرِيدون العَفْوَ.

إذَنْ نقول: التوبةُ مِن قتلِ النفسِ يَتَعَلَّق بِهَا حقَّانِ آخرانِ غير حق اللَّه؛ حقٌّ مُمْكِنٌ تحقيقُه، وهو حقّ الوَرَثَة: أولياء المقتول، وحقٌّ يمكِن أو لا يمكِن، وهو حقُّ المقتولِ؛ فإنْ أمكنَ تحقيقُه فِي الدُّنْيا وأسقطه فذاك، وإلَّا فإن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا عَلِمَ من هَذَا القاتلِ أَنَّهُ تابَ إليه توبةً نصوحًا فإنَّ مِن تمامِ توبةِ اللَّهِ عليه أنْ يعطيَ المقتولَ حقَّه حَتَّى لا يأخذَ من حَسَنات القاتلِ شيئًا.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إذا لم يَتُبِ القاتلُ هل هو تحتَ المشيئةِ؟

نقول: إذا لم يَتُبِ القاتلُ فعليه الوَعِيدُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالقتلُ من الكبائرِ، فَهُوَ تحتَ المشيئةِ، لَكِنْ لا نجزم أَنَّهُ سَيُغْفَرُ له.

ننتقل إلى الزِّنا فِي قولِهِ: {وَلَا يَزْنُونَ} هل يَتَعَلَّقُ بِهِ حقٌّ آخرُ سِوَى حقِّ اللَّهِ؟ وهل يَحتاجُ إذا تابَ أنْ يَستبيحَ أو أنْ يَسْتَحِلَّ المزنيّ بِهِ أو لا يَحْتَاجُ؟

إذا كَانَ باختيارِها وهي الَّتِي جَنَتْ عَلَى نَفْسِها، إذا كانتْ ذاتَ زوجٍ فنَعَمْ، لَكِنْ إذا لم يَكُنْ لها زوجٌ فإذا كَانَ باختيارِها فلا حقَّ لها؛ لِأَنَّهَا هي الَّتِي انتهكتْ عِرْضَها، وإذا كانتْ مُجْبَرَةً فلها حَقٌّ، فلا بدَّ مِنِ استحلالهِا. وقد يقالُ: إن التوبةَ إذا صارتْ نَصُوحًا وتابَ إِلَى اللَّهِ فلا حاجةَ إِلَى الاستحلالِ؛ فإن اللَّه تَعَالَى يتوبُ عليه كما ثَبَتَ فِي الحديثِ الصحيحِ؛ أنَّ الحدَّ يَكُونُ كفَّارةً للذَّنْبِ (١)، ولم يَذْكُرِ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَيْئًا فوقَه بدونِ استحلالٍ، فمَن نظر إِلَى أن هَذَا فِيهِ حقّ انتهاك عِرْضِها وإكراهها عَلَى الفاحشةِ وسُوء سُمْعَتِها وسمعة أهلها قَالَ: لا بدَّ مِنِ اسْتِحْلَالَهَا من هَذَا الأمرِ؛


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحدود، باب الحدود كفارة، رقم (٦٧٨٤)، ومسلم: كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها، رقم (١٧٠٩).

<<  <   >  >>