للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَفَعَلَها، وكيف ذلك؟ يَقُولُونَ: لأنَّ هَذِهِ السيِّئاتِ لمَّا تابَ منها صارَ له بكلِّ توبةٍ من هَذه السيئاتِ حسنة، فأُبدِلَتِ السيئاتُ حسناتٍ بالتوبةِ منها، ولأنه كلَّما تَذَكَّر ما سبقَ من أعمالِه السيئةِ أحدثَ لها توبةً، فصارت هَذِهِ الأعمالُ السابقةُ حسناتٍ بالتوبةِ منها، والصحيحُ شُمُولُ الآيه لهذا وهذا، وأن الآيةَ شاملةٌ للأمرينِ، فإنَّ مَن تابَ وآمَنَ وعمِل عملًا صالحًا تَبَدَّلَتْ سيئاتُه السابقةُ فصارتْ حسناتٍ، لَكِنَّها لَيْسَ هي الأُولَى نفسها، وكَذَلِك إذا تابَ منها جُوزِيَ عَلَى هَذِهِ التوبةِ بالثوابِ، فصارت السيئاتُ بالتوبةِ منها حسناتٍ.

وكَلامُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ يَميلُ إِلَى الثَّاني؛ إِلَى أن هَذَا التبديل تبديل جزائىٌّ؛ لِقَوْلِهِ: {فِي الْآخِرَةِ}؛ لِأَنَّهُ لو كَانَ قَدَرِيًّا ما كَانَ فِي الآخرةِ؛ إذ التبديلُ القَدَرِيّ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الدُّنْيا؛ لِأنَّهُ عَمله، والصحيح شمولُ الآيةِ للأمرينِ، فبالإيمانِ والعَمَلِ الصالِحِ تبدَّلَتْ أعمالُهُ إِلَى أعمالِ صالحةٍ، وبالتوبةِ من السيئاتِ صارتِ السيئاتُ السابقةُ حسناتٍ؛ لِأَنَّهُ يَزدادُ بهَذهِ التوبةِ رِفْعَةً ومَقَامًا عند اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أيْ: لَم يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ]، (كان) هنا -كما مرَّ- مجرَّدةٌ من الزمنِ، والمرادُ بِهَا اتصافُ اسْمِها بِخَبَرِها صفة لازمة، ولهذا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي لم يَزَلْ متَّصِفًا بذلك] أي بالمغفرةِ والرَّحمةِ. والغَفُورُ صِيغةُ مبالغةٍ، أو صفة مُشَبَّهَة، وكلاهما يدلّ عَلَى الثُّبُوتِ والدوامِ والكثرةِ. والمَغْفِرَة: سَتْرُ الذنبِ معَ التجاوُزِ عنه، يَعْنِي ستر الذنبِ وإسقاط عُقُوبَتِه، وليسَ مجُرَّد الستر؛ لِأَنَّها مأخوذة مِنَ المِغْفَر، وبِالمغفرِ يَكُونُ السترُ والوِقَايَةُ.

وَأَمَّا الرَّحيمُ: فَهُوَ ذو الرَّحْمَةِ الواصلةٌ إِلَى المرحومينَ؛ لِأَنَّهَا تدل عَلَى الفعلِ معَ الصِّفةِ أيضًا، والرَّحمة صفةٌ من صفاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَكُون بِسَبَبِها الإنعامُ والإحسانُ

<<  <   >  >>