للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ عُمَرُ: أَرْجُمُ الَّذِي اعْتَرَفَ بِالزِّنَى؟ فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ: "لَا، إِنَّهُ قَدْ تَابَ إِلَى اللَّهِ" (١).

هذا صحيحٌ، ففِي القُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤]، لا يُقامُ عليه الحدُّ إذا تابَ قبلَ القُدْرةِ عليه، إذا كَانَ هَذَا فِي قُطَّاع الطَّريقِ وذَنْبُهم من أعظمِ الذنوبِ، فهذا من باب أَوْلَى، إِلَّا حدّ القَذْف، فهو حقٌّ للآدميّ فلا يَسْقُط إِلَّا بإسقاطِ المقذوفِ، فاعترافُ الرجلِ علامةٌ عَلَى التوبةِ، أو أن الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- علِم منه ذلك، المهمُّ أَنَّهُ إذا تابَ قبلَ القُدْرَة فَإِنَّهُ لا يُقامُ عليه الحدُّ.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ} المذكورةَ {حَسَنَاتٍ} فِي الآخِرَةِ]، يُبَدِّلها، التبديلُ: جَعْلُ شَيْءٍ مكانَ شَيْءٍ، وهذا التبديلُ هل هو تبديلٌ قَدَريَ أو تبديل جَزائيّ؟

اختلف فِي ذلك أهلُ العلمِ؛ فمِنهم مَن قَالَ: إِنَّهُ تبديل قَدَريّ، ومنهم مَن قَالَ: إِنَّهُ تبديل جزائيٌّ، كيف ذلك؟ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ تبديل قَدَرِيّ يَقُولُونَ: إن معنى تبديلِ السيئاتِ حسناتٍ أَنَّهُ لمَّا آمنَ وعَمِلَ عملًا صالحًا صارَ بَدَل الشرك إيمانٌ، وصار بدل الزنا وقتل النفس عَمَل صالح، معناه أن هَذَا الإيمانَ والعملَ الصالحَ صار بدلًا عن الكفرِ والزنا وقتل النفس، فالمعنى أن إيمانَه وعَمَلَه الصالحَ الَّذِي فَعَلَه هو الحسناتُ الَّتِي أبدلَ اللَّهُ السيئاتِ بِهَا، فيَكُون هَذَا التبديل قَدَرِيًّا.

وقيل: بل هو جزائيٌّ، بمعنى أنَّ هَذِهِ المعاصيَ نفسَها تكون حسناتٍ، يبدِّل اللَّه السيئاتِ السابقةَ يَجْعَلُها حسناتٍ، بالإضافة إِلَى حسناتِه الأخيرة الَّتِي قُدِّرَتْ له


(١) أخرجه النسائي في الكبرى (٦/ ٤٧٤، رقم ٧٢٧٠).

<<  <   >  >>