للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له العذاب، ولا يَخْلُد فِيهِ، وتَقَدَّمَ أن شروطَ التوبةِ خمسةٌ: الإخلاصُ للَّهِ، والندَمُ عَلَى ما وَقَعَ، والعَزْم عَلَى أنْ يُقْلِعَ عنها، وأنْ يَعْزِمَ عَلَى ألَّا يعودَ، وأن تكونَ فِي وَقْتِها، أي فِي الوقتِ الَّذِي تُقْبَل فِيهِ التوبةُ، وتَقَدَّمَ أَيْضًا أنَّ هَذَا الاستثناءَ يَشْمَلُ كلَّ الذنوبِ الثَّلاثَة: الشِّرك، وقَتْل النفسِ، والزِّنا، وأنَّ ما ذُكِرَ عنِ ابنِ عباس -رضي اللَّه عنهما- أنَّ القاتلَ لا تَوْبَةَ له، فإنْ أرادَ عَلَى وجهِ الإطلاقِ فليسَ بصحيحٍ، وإن أرادَ لا توبة له فيما يَتَعَلَّق بحقِّ المقتولِ فهذا صحيحٌ، عَلَى أنَّنا نقولُ: لا يَبْعُدُ أَنَّهُ إذا تابَ توبةً نصوحًا أنْ يَتَحَمَّلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنه حقَّ المقتولِ فيُرْضِيه.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما رَأيُكم فِي قولِ ابنِ القَيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إعلامِ الموقِّعين (١) أنَّ الحدودَ تَسْقُطُ بالتوبةِ، استدلَّ بحديثِ النَّسائي، وفيه أَنَّ امْرَأَة وَقَعَ عَلَيْهَا رَجُلٌ فِي سَوَادِ الصُّبْحِ وَهِيَ تَعْمِدُ إِلَى المَسْجِدِ عَكُورَةً (٢) عَلَى نَفْسِهَا، فَاسْتَغَاثَتْ بِرَجُلٍ مَرَّ عَلَيْهَا، وَفَرَّ صَاحِبُهَا، ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهَا ذَوُو عَدَدٍ، فَاسْتَغَاثَتْ بِهِمْ فَأَدْرَكُوا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَتِ اسْتَغَاثَتْ بِهِ، فَأَخَذُوهُ، وَسَبَقَهُمُ الْآخَرُ، فَجَاءُوا بِهِ يَقُودُونَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: أَنَا الَّذِي أَغَثْتُكِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْآخَرُ. قَالَ: فَأتَوْا بِهِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَأَخْبَرَتْهُ أنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا، وَأَخْبَرَ الْقَوْمُ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوهُ يَشْتَدُّ، فَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ أُغِيثُهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَأَدْرَكُوني هَؤُلَاءِ فَأَخَذُونِي. قَالَتْ: كَذَبَ، هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انْطَلِقُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ". فَقَامَ الرَّجُلُ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: لَا تَرْجُمُوهُ وَارْجُمُونِي، فَأَنَا الَّذِيُ فَعَلْتُ بِهَا الْفِعْلَ. فَاعْتَرَفَ، فَاجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا، وَالَّذِي أَغَاثَهَا، وَالمَرْأَةُ، فَقَالَ: "أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ غُفِرَ لَكِ"، وَقَالَ لِلَّذِي أَغَاثَهَا قَوْلًا حَسَنًا،


(١) (٣/ ١٥)، ط. دار الكتب العلمية.
(٢) أي قد غُلبت على نفسها.

<<  <   >  >>