للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} التوبةُ تَقَدَّم الكَلامُ عَلَيْهَا، والإيمانُ فِي اللغةِ: التصديقُ والإقرارُ، ولَكِنه فِي الشرعِ تصديقُ القلبِ المستلزِم للقَبول والإذعانِ، وليسَ مجرَّد التصديقِ، بل هو تصديقٌ مُسْتَلْزِمٌ لهذا، فإن لم يَسْتَلْزِمْهُ فليسَ بإيمانٍ، فيقبل ما جاء بِهِ الشرعُ ويُذْعِن له فيُصَدِّقه إنْ كَانَ خبرًا ويقوم بِهِ إن كَانَ طَلبًا.

وقوله: {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} هنا ذَكَرَ العملَ ووَصَفَهُ بالصلاحِ؛ لِأَنَّ العملَ غيرُ الصالحِ لا يَنْفَعُ صاحِبَهُ، والعمل الصالح ما جمع شرطينِ، وهما الإخلاصُ للَّه والمتابعةُ لرسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنْ لم يَكُنْ فِيهِ الإخلاصُ فليسَ بمقبولٍ، وإنْ لم يَكُنْ فِيهِ المتابَعَةُ فليسَ بمقبولٍ، ففي الصحيحِ من حديثِ أبي هُريرة أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكتُهُ وشِرْكَهُ" (١)، هَذا دليلٌ على أنَّ غيرَ المُخْلِص فِيهِ مَرْدُودٌ، وَأَمَّا غيرُ المُتَابِع فِيهِ فلقولِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" (٢)، ويَجْمَعُهُمَا قولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠].

قوُله رَحِمَهُ اللَّهُ: [منهم] أي من فاعلِ هَذِهِ الأمورِ الثَّلاثَةِ: الشَرك وقَتْل النفسِ والزِّنا، وإنما قَيَّدَها بذلكَ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ، ولئَلَّا تَتكَرَّرَ معَ ما بَعْدَهَا.

قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} هَذَا مُسْتَثْنًى من قولِهِ: {يَلْقَ أَثَامًا}، وما أُبدل منه، يَعْني {إِلَّا مَنْ تَابَ} فَإِنَهُ لا يَلْقَى أثامًا، ولا يُضَاعَف


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير اللَّه، رقم (٢٩٨٥).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم (٢٦٩٧)، ومسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم (١٧١٨).

<<  <   >  >>