للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" (١)، فإذا اغتابَه فليسَ هناكَ فَرْقٌ بَيْنَ المالِ والعِرض والرَّسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَعَ بينهما، إذَن نقول: اذْهَبْ إليه واسْتَحِلَّهُ. وإلى هَذَا ذهبَ الفقهاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فالمذهَبُ أنَّهُ إذا تابَ مِنَ الغِيبة يَجِب عليه أن يُخْبِرَ المغتابَ ويقول له: أنا حَصَلَ مِنِّي كذا وكذا، فأَرْجُوكَ أنْ تَسْمَحَ لي.

القَوْل الثَّاني: لا؛ لأنَّ الغِيبة عبارةٌ عن قَدْحٍ فِيهِ وَرَدُّها بِمِثْلِها، وذلك بأنْ تُثْنِيَ عليه فِي المكانِ الَّذِي اغْتَبْتَهُ فِيهِ بما يُزِيلُ هَذِهِ الغِيبةَ، وهذا رَدُّه فِي الحقيقةِ؛ لأنَّ كَوْنَك تَذْهَب إليه وتقول له: حَلِّلني هَذَا لَيْسَ بِرَدِّ اعتبارهِ الَّذِي سَقَطَ حينما اغتبتَه فِي المجلِسِ، فلا يزول إذا حلَّله، بل يَبْقَى، فرَدُّ الغِيبة أنْ تُثْنِيَ عليه بالخيرِ فِي مقابلِ الثناءِ بالسُّوء، وهذا أصحُّ؛ لأنك فِي الحقيقةِ لو ذَهَبْتَ تُعْلِمُه يُمْكِن أنْ تأخُذَهُ العِزَّة بالإثم ويقول: لا، ثم إنَّك لو قلتَ له: إنِّي قلتُ: فلان بخيلٌ، قَالَ: لا، ما قَالَ: بخيل فقطْ، بلْ قَالَ: بخيل وشِرِّير وفاسِق وفاجِر؛ لِأَنَّ الشيطانَ يقولُ له هَذَا، فيَتَصَوَّر أنَّ الأمرَ أكْثَرُ من هَذَا، ولا يُسَامحِك، فما دام ما وَصَلَه العلمُ فلا حاجةَ لأنْ تُخْبِرَه، نعم لو وَصَلَهُ العلمُ وعَرَفْتَ أنَّ الرجلَ قد أُخْبِرَ عنك بأنَّك اغْتَبْتَه فهنا لا بدَّ أنْ تَسْتَحِلَّه.

فالخُلاصة أن يقالَ: إنَ المغتابَ إن كَانَ عالمًا بِغِيبَتِكَ فَهُوَ الآنَ قد صارَ فِي نفسِهِ عليك شَيْءٌ، فلا بدَّ أنْ تَسْتَحِلَّه لِيَزُولَ ما فِي نفسِهِ، وإنْ كانَتْ ما بَلَغَتْهُ، يَعْنِي أنَّك ما تَكَلَّمْتَ إِلَّا بِهَذَا المجلِسِ، وعَرَفْتَ أَنَّهُ ما وَصَلَهُ العلمُ، فهنا لا حاجةَ إِلَى أنْ تَذْهَبَ وتقول له، وإنما تُثْنِي عليه بالخيرِ مقابلَ ثنائِكَ عليه بالشرِّ، وهذا القَوْلُ هو الصحيحُ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابن تيميَّة رَحِمَهُ اللَّهُ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، رقم (١٧٣٩).

<<  <   >  >>