وقد اختلفَ العلماءُ رَحِمَهُم اللَّهُ هل يُشْتَرَطُ للتوبةِ إصلاحُ العملِ، أو لا يُشْتَرَط؟
فمِنهم مَن قَالَ: إِنَّهُ يُشترط لها إصلاحُ العملِ، وعلى هَذَا فيَكُونُ ذلكَ شرطًا سادسًا زائدًا عَلَى الشروطِ الخمسةِ، وأن من تاب ولم يَصْلُحْ عَمَلُه فَإِنَّهُ لَيْسَ بتائبٍ.
وقالَ بعضُ العلماءِ: بل تَصِحُّ التوبةُ معَ عدمِ إصلاحِ العملِ، وَقَالَ بعضهم: إنْ كَانَ العملُ من جنسِ ما تابَ منه فلا بدَّ من إصلاحِهِ، وإلَّا فلا تَصِحُّ التوبةُ، مثال ذلك: رجلٌ تابَ مِنَ الزنا ولَكِنه يَسرِق، فعلى القَوْلِ الأوَّل لا تَصِحُّ توبتُه من الزنا؛ لِعَدَمِ إصلاحِ العملِ، وعلى القَوْل الثَّاني تَصِحُّ؛ لأنَّ السَّرِقَة ليستْ من جنسِ الزِّنا، وعلى القَوْلِ الثالثِ من باب أَولى أنَّهُ لا يُشترَط إصلاحُ العملِ مُطْلَقًا وأن مَن تابَ مِن ذَنبٍ قُبِلَتْ توبتُه، ورجلٌ آخرُ تابَ من الزِّنا ولَكِنه استمرَّ فِي النظرِ المحرَّمِ، فاستمرَّ ينظر إِلَى النساءِ نظرًا محرَّمًا، فهذا عَلَى القَوْلِ بأنه لا يُشترَطُ إصلاحُ العملِ تَصِحُّ توبته من الزنا، وعلى القَوْل بأنه لابدَّ من إصلاحِ العملِ لا تَصِحُّ توبتُه مِنَ الزِّنا، وعلى القَوْلِ الوَسَطِ الَّذِي يقولُ: إذا كَانَ من جِنْسِ ما تابَ منه لم تُقْبَلْ أَيْضًا لا تَصِحّ؛ لِأَنَّ هَذَا زِنا العينِ، كما قَالَ النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (١).
(١) أخرجه البخاري: كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج، رقم (٦٢٤٣)، ومسلم: كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره، رقم (٢٦٥٧).