للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولَكِن الصحيح أنْ يُقالَ: أمَّا إنْ أُريدَ بالتوبةِ وَصْف هَذَا الرجلِ بأنه مِنَ التائبينَ الَّذِينَ يَلْحَقُهُمُ الثناءُ، ويَصْدُقُ عليهم أَنَّهُمْ تائبونَ، فهذا لا يُمْكِن أنْ تَصِحَّ منه التوبةُ، أو أنْ يَسْتَحِقَّ وصفَ التوبةِ، إِلَّا بإصلاحِ العملِ، لِأنَّهُ لم يَتُبِ التوبةَ المطلَقَةَ، وإنما عنده مُطْلَق توبة، وَأَمَّا إنْ أُريدَ بالتوبةِ التوبةُ مِنَ العملِ المعيَّنِ، فالصوابُ الجزْمُ بأن توبتَه تُقبَل؛ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى عدلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مَن عَمِلَ خيرًا فله، ومَن عمِل شرًّا فعليه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨]، فكيف نقول: إن هَذَا الرجلَ لا تَصِحُّ توبتُه مِن عملٍ تابَ منه ورَجَعَ ونَدِمَ؛ لِأَنَّهُ مُصِرّ عَلَى غيرِه؟ ! لا يَصِحّ.

فالصوابُ فِي هَذَا أنْ يقالَ: أمَّا استحقاقُ وصفِ التائبينَ عَلَى وجهِ الإطلاقِ فهذا لا يَسْتَحِقُّهُ التائبُ إِلَّا لإصلاحِ العملِ؛ لِأنَّهُ كيف يَكُونُ تائبًا إِلَى اللَّهِ مَن هو مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، ولو من غير جنسِ ما تابَ منه، أو من جِنْسِهِ، وَأَمَّا إذا كَانَ المقصودُ التوبة من هَذَا العملِ المعيَّن، يَعْنِي مطلَق توبةِ لا توبة مطلقة، فإن هَذِهِ تَصِحُّ جَزْمًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضى عدلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: وَرَدَ فِي الحديثِ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ" (١)؟


(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول اللَّه: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}، رقم (٧٥٠٧)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة، رقم (٢٧٥٨).

<<  <   >  >>