للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والصواب الَّذِي لا شكَّ فيه ما عليه جمهورُ أهلِ السنَّة، وحُكي إجماعًا أن النارَ مؤبَّدة هي وأهلها، وهذا لا ينافي رحمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قد أَعذرَ إلى هؤلاءِ وأقامَ عليهم الحُجَّة، فهم الَّذِينَ جَنَوْا على أنفسِهم.

وأما الاستثناء في هُود فقد استثنى من قولِه: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧]، فَإِنَّهُ لو قيدت بدوامِ السَّمواتِ والأرضِ لكانَ لها أَمَدٌ، فلمَّا قال: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فهذا ما خرج عن دوام السَّموات والأرض، فهذا معنى الاستثناء.

وأما قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: ١٢٨]، نقولُ: هَذَا الاستثناء: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} دلت النصوصُ على أنَّهُ لا يشاء أن لا يُخلَّدوا، فكأن هَذَا الاستثناءَ يُشِيرُ إلى أن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لو شاء لمَنَعَ العذابَ عنهم، وأنه ليس أمرًا محتَّمًا عليه، بل هو في مشيئته، فالاستثناء إذَنْ مُفَسَّرٌ بالآيات الصريحةِ الواضحةِ أَنَّهُ تَعَالَى لا يشاء أنْ يرفعَ العذابَ عنهم؛ لِأنَّهُ أخبرَ، ولا يخلِف اللَّه الخبرَ بأن عذابهم مؤبَّد.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما مناسبة قوله: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧]، بعد قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧]؟

الجواب: كأنه يُشْعِر أن أحدًا لو قال: كيف يفعل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا مع أَنَّهُ عذاب دائم، ورحمته وسعتْ كل شَيْء؟ فقال: إِنَّهُ فعَّال لما يريد، مثلما قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ} [هود: ١٠٨]، وفي الحقيقة هَذِهِ الاحْتِمَالات، وإنْ كانتْ قد يَكُونُ لها وجهٌ، لكِن ما دام عندنا نصوصٌ صريحةٌ محكَمَة، فالواجب على المؤمنِ أنْ يَحمِلَ المتشابِهَ على المحكَمِ، ما دام أن المسائلَ في الآياتِ الثلاثِ هَذِهِ احْتِمَال فإن عندنا

<<  <   >  >>