للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك اليومِ ما لا يَظْهَر في غيرِه؛ ولهذا عبَّر بقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ}، وقد سبق أنَّ الرَّحمنَ صِفة متضمِّنة للرحمةِ، ولكنَّها تدلُّ على عظمة هَذِهِ الرَّحمةِ، وعلى سَعَتِها؛ لِأَنَّ كلمةَ فَعْلَان تدلُّ على الوصفِ المالِئِ الَّذِي يَمْلَأُ موصوفَه، كما يقال: غَضبانُ، لِأنَّهُ ممتلِئ غَضَبًا، ومن ثَمَّ فسَّر بعضُ العلماءِ الرَّحمنَ بأنه ذو الرَّحمةِ الواسعة، والرَّحيم بأنه ذو الرَّحمة الخاصَّة بالمؤمنين، ولكن الصواب أن الرَّحمنَ باعتبارِ وصفِه، فلهذا جاءت فَعْلَان صفة مشبَّهة، والرَّحيم باعتبار فِعله، يعني إيصال الرَّحمة إلى مَن شاء.

قَالَ المُفَسِّر: [{وَكَانَ} اليوم {يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} بخلاف المؤمنين]، هنا قيَّد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ العُسْر على الكافرينَ، فقال: {يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} يعني دون المؤمنينَ، وفي آية أخرى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: ٩]، ولم يقيِّدْه، يقال: إن اليومَ نفسه عسيرٌ جِدًّا بالنظر إلى ذاتِ اليومِ، لكنْ هَذَا العُسر لا يتناول المؤمن، بدليل قوله: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: ١٠]، فمفهومه أَنَّهُ على المؤمنينَ يَسيرٌ، فبالنظرِ إلى ذاتِ اليومِ وأهوالِه نَصِفُهُ بالعُسر في حدِّ ذاته على الكافرين، ثم إن هَذَا العُسر لا يَسري إلى المؤمنينَ، بل ييسِّره اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليهم، بدليل قوله: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}، وبدليل قوله: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}.

فالحاصِل: أَنَّهُ بالنظرِ إلى ذاتِ اليومِ فاليومُ عَسيرٌ وشديدٌ، ويجعل الوِلدانَ شِيبًا، وبالنظرِ إلى مَن يتأثَّر به أو بعُسره يَكُون هَذَا للكافرين فقطْ؛ لقولِهِ: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}، أمَّا على المؤمنِ فَإِنَّهُ يَسيرٌ.

وفي هَذَا دليل، أي: في كونِه عَسيرًا، ولكن عُسره يَكُون على الكافرينَ فقطْ، ففيه دليل على اختلافِ النَّاسِ في ذلك الموقفِ، وأن يُسْرَ ذلك اليومِ وعُسْره بحسَب

<<  <   >  >>