للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا دليلٌ على أنَّ في هَذَا اليومِ عندهم شِدَّة وخوف؟

والجواب: لا شكَّ أن في هَذَا اليومِ يوجَدْ شِدَّة وخوف: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [الزمل: ١٧]، لكِن هَذِهِ الشدة والخوف يتحملهما الإنْسَانُ بحسَب ما معه من الإيمانِ، يعني أَنَّهُ لا يَكُون شديدًا عليه بحسَب ما معه من الإيمان، فهم يخافون لكنَّه ليس شديدًا عليهم، يعني أَنَّهُمْ يَتوقَّعون أَنَّهُمْ يقعون في شَيْءٍ ولَكِنَّهُم لا يقعون.

الحاصِل: أن وَصْفَ اللَّهِ تَعَالَى يومَ القيامة بأنه عَسيرٌ وصْفٌ مقيَّد بالكافرين، وفي آية أخرى وصفه وصفًا مطلقًا بأنه عَسيرٌ، وذكرنا فيما سَبَقَ أَنَّهُ وإنْ كانَ عَسيرًا لَكِنَّهُ بالنسبة للمؤمنين يَكُون يسيرًا، فالوصف المطلَق لذلك اليوم أَنَّهُ عسير، ولكن الَّذِي يتأثَّر به ويَكُون عَسيرًا عليه هم الكافرون، أَمَّا المؤمنون فلا.

وتأمَّلْ قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}، قد يقول قائل: أين الرَّحمة مع عُسْرِه على الكافرينَ، فيقالُ: إن عذاب الكافرين وشدته عليهم هو رحمة بالمؤمنينَ؛ لِأَنَّ المؤمن يرى عدوَّه الَّذِي كان يسخَر منه في الدُّنْيا وعَدْلُ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَمضِي فيه، فلا شكَّ أن ذلك سرورٌ له ورحمةٌ؛ كما قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: ٣٤ - ٣٥]، فهم على أرائكهم ينظرون إلى هَؤُلَاءِ يعذَّبون، فيُسَرُّون بهم ويضحكون بهم، مثلما أن أعداءهم في الدُّنْيا كانوا يضحكون منهم ويسخرون بهم.

ثم إننا نقول أيضًا: تنفيذ العدل يُعتبَر رحمةً، أمَّا في الدُّنْيا فظاهرٌ، فإننا إذا أقمنا الحدَّ على السارقِ أو أقمناه على الزاني، أو ما أشبهَ ذلك، فَهُوَ رحمة بالنَّاس عمومًا، وبه خصوصًا، حتى بهذا الَّذِي جُلِدَ أو قُطِعَتْ يده هو رحمة به، كيف ذلك؟ لأننا نَمْنَعُه من ممارسة العمل مرَّةً ثانيةً، كلَّما تذكر هَذَا الألمَ، ولأن الحدَّ يَكُون كفَّارة له،

<<  <   >  >>