للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَن صفة الصَّلَاة عَلَيْهِ بِمَا ذكرت، وَلم يذكر لَهُم صفة الصَّلَاة على سَائِر الْأَنْبِيَاء غَيره، لعلمه بِأَنَّهُم قد علمُوا ذَلِك أَو لأَنهم لم يسألوه عَنْهَا. وَبعد: فَلَو سوغناك ذَلِك، وَقُلْنَا: القَوْل مَا قلت فِي تَأْوِيل الْآيَة: مَا كَانَت حجتك على أَن ذَلِك أَمر من الله - تَعَالَى ذكره - عباده بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، بعد التَّشَهُّد فِي آخر رَكْعَة من صَلَاة الْمُصَلِّي، دون أَن يكون أمرا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي كل أَحْوَال العَبْد؟ أَو أمرا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بعد الْفَرَاغ من الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الأولى قبل الرُّكُوع، وَغير ذَلِك من أَعمال الصَّلَاة؟ .

وَإِن زعم أَنه علم أَن قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} . أَمر من الله - جلّ ثَنَاؤُهُ - عباده الْمُؤمنِينَ بِالصَّلَاةِ على مُحَمَّد دون سَائِر الْأَنْبِيَاء غَيره؛ لِأَن الله - تَعَالَى ذكره - إِنَّمَا ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَحده بقوله: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} . فَعلم بذلك أَنه إِنَّمَا عَنى بِهِ نَبِي الَّذين خاطبهم بقوله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ} {قيل لَهُ:

مَا تنكر أَن يكون إِنَّمَا خرج ذَلِك بِلَفْظ الْوَاحِد، وَالْمرَاد بِهِ جَمِيع الْأَنْبِيَاء. كَمَا قيل: {وَالْعصر، إِن الْإِنْسَان لفي خسر} . فَأخْرج الْإِنْسَان بِلَفْظ الْوَاحِد، وَالْمرَاد بِهِ جَمِيع النَّاس.

فَإِن قَالَ: وَمن أَيْن يعلم أَن ذَلِك كَذَلِك؟

قيل: نعلم ذَلِك بقوله: {إِلَّا الَّذين آمنُوا، وَعمِلُوا الصَّالِحَات} : إِذْ اسْتثْنى الَّذين آمنُوا، وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم، وهم جَمِيع. فَلم يسْتَثْن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم إِلَّا وَقد دخل فِي قَوْله: {إِن الْإِنْسَان لفي خسر} : كل إِنْسَان. فَلذَلِك جَازَ استثناؤهم مِنْهُم.

وكما قَالَ: {يَا أَيهَا الْإِنْسَان} مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم} ، فَلَنْ يَقُول فِي شَيْء مِمَّا عارضناه بِهِ قولا، إِلَّا ألزم فِي خِلَافه مثله.

<<  <   >  >>