وَلَو كَانَ مُكَلّفا الْيَقِين من الْعلم دون الظَّاهِر، لم يكن لأحد صَلَاة؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيل لأحد إِلَى الْوُصُول إِلَى يَقِين الْعلم بذلك.
وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى ذكره قد أَمر عباده الْمُؤمنِينَ على لِسَان رَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالصَّلَاةِ فِي الستْرَة الطاهرة، ومتطهرين بالمياه الطاهرة، إِذا وجدوها. وَغير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي يكثر عَددهَا.
وَعَلَيْهِم فِي كل ذَلِك من أَدَاء الْوَاجِب عَلَيْهِم فِيهِ، مثل الَّذِي عَلَيْهِم من فرض عدد رَكْعَات الصَّلَاة، وَلَا خلاف بَين الْجَمِيع من سلف عُلَمَاء الْأمة وَخَلفهَا أَنهم لم يكلفوا فِي شَيْء من ذَلِك إحاطة الْعلم بيقينه، لَا المَاء الَّذِي يطهر، وَلَا الثِّيَاب الَّتِي يصلونَ فِيهَا.
وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كلفوا الْعلم الظَّاهِر عِنْدهم فِي ذَلِك كُله. وَكَذَلِكَ القَوْل فِي عدد الصَّلَاة الَّتِي يكون فِيهَا الْمُصَلِّي، إِنَّمَا كلف الْعلم الَّذِي هُوَ عِنْده، فَإِن بنى على الْعلم الظَّاهِر عِنْده أَجزَأَهُ، وَلم يكن عَلَيْهِ غير ذَلِك.
وَإِن أَخذ بِالِاحْتِيَاطِ فَبنى على الْيَقِين الَّذِي لَا شكّ فِيهِ، فَهُوَ أفضل إِذا كَانَ لَهُ السَّبِيل إِلَى الْوُصُول إِلَى يَقِين علم ذَلِك.
وَإِن لم يكن لَهُ السَّبِيل إِلَى يَقِين علم ذَلِك لغَلَبَة وَسْوَسَة الشَّيْطَان عَلَيْهِ، مضى فِيهَا على مَا عِنْده فِي علمه كَمَا على من عرض لَهُ شكّ فِي صلَاته فِيمَا عَلَيْهِ من الستْرَة: هَل هِيَ طَاهِرَة أم لَا؟
فَإِن كَانَ لَهُ السَّبِيل إِلَى معرفَة ذَلِك بالإحاطة فَعَلَيهِ تعرف ذَلِك، وَإِن لم يكن لَهُ السَّبِيل إِلَى ذَلِك عمل بالأغلب عَلَيْهِ من ظَاهر علمه فِيهِ.