وَالصَّوَاب من القَوْل عندنَا فِي كل هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي ذَكرنَاهَا أَنَّهَا صِحَاح، وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء مُخَالف غَيره، بل لكل ذَلِك وَجه مَفْهُوم، وَمعنى غير معنى مَا سواهُ:
فَأَما خبر عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمن وَافقه فِي رِوَايَته عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أمره الشاك فِيمَا صلى من عدد رَكْعَات صلَاته؛ فَإِنَّهُ أَمر مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ بِالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ ليَكُون على يَقِين من أَنه لم يبْق عَلَيْهِ من صلَاته شَيْء إِذا فعل ذَلِك، لَا إِعْلَام مِنْهُ أَنه إِن بنى على الْأَغْلَب عِنْده أَنه قد صلى أَو على مَا يرى أَنه قد قضى من صلَاته أَنَّهَا لَا تُجزئه حَتَّى تلْزمهُ إِعَادَتهَا إِن خرج مِنْهَا، وَقد بنى على الْأَغْلَب عِنْده، أَو على مَا يرى أَنه قد صلى وَسجد سَجْدَتَيْنِ، فَإِن احتاط الشاك فِي ذَلِك فَعمل بِالَّذِي روى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو سعيد وَمن روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أمره إِيَّاه بِالْبِنَاءِ على الْيَقِين وَالسُّجُود لسَهْوه بعد فَرَاغه من صلَاته، فَهُوَ أحب إِلَيْنَا وَأفضل وَعمل بالأحوط لدينِهِ، والأسلم.
وَإِن هُوَ بنى على أَكثر رَأْيه متحريا فِي ذَلِك الْأَغْلَب عَلَيْهِ فِي نَفسه أَنه قد صلى على مَا روى عبد الله بن مَسْعُود، وَمن روى ذَلِك عَنهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن مخطئا فِي فعله؛ لِأَن كل مصل فَإِنَّمَا كلف أَن يعْمل فِيهَا بِمَا عِنْده من علمه بهَا فِي حَالَة عمله، لَا على إحاطة الْعلم بِيَقِين ذَلِك.