أَلاَ لاَ أرَى مثْلي امْتَرَى اليوْمَ في رَسْمِ ... تَعرَّفُهُ عَيْنى ويَلفِظُهوَهْمِىَ
ولو كان تنكره عينى ويعرفه وهمي لكان كالأوّل، ولعلّ أبا نواس قصد الخلاف وأعجبه قوله ويلفظه وهمي لأنّها لفظةٌ مليحةٌ، وقد تملَّح الحسن بن وهب بهذا المعنى إلاّ أنّه أجمله ولم يذكر القلب، من قصيدة:
أَبْلَيْت جِسْمِى من بَعدِ جِدَّته ... فما تكَادُ العُيُونُ تُبصِرُهُ
كأَنَّه رَسْمُ مَنزلٍ خَلَقٍ ... تَعْرِفُه العينُ ثمّ تُنْكِرُهُ
وزعم يحيى بن منصور الذُّهليّ أنّه عرف معاهد أحبابه فكتمها عينه فقال:
أَما يَتَفيق القَلْبُ إلاّ انْبَرَى له ... تَذكُّرُ صَيْف من سُعَادَ ومَرْبَعِ
أُخَادِعُ عَنْ عِرْفَانِهَا العَيْنَ إِننّيمَتَى تَعْرِفِ الأَطْلاَلَ عَيْنِىَ تَدْمَعِ
وقال غيره:
هي الدارُ التي تَعْرِ ... فُ أَو لاّ تَعْرِفُ الدَّارَا
تَرَى فيها لأَحبابِ ... ك أَعلاماً وآثارَا
فيُبْدِى القَلْبُ عِرْفاناً ... ويُبدِى الطَّرْفُ إنْكارَا
ولربيعة بن مقروم:
أَمِنْ آلِ هِنْدٍ عَرفْتَ الرُّسُومَا ... بحُمْرَان قَفْراً أَبَتْ أَن تَرِيمَا
تَخَالُ مَعَارِفَهَا، بعدَما ... أَتَتْ سَنَتَانِ عليها، الوُشُومَا
وقَفْتُ أُسَائلُهَا ناقَتي ... ومَاذَا يَرُدُّ سُؤالي الرُّسومَا
وذَكَّرَني العَهْدَ آياتُهَا ... فهَاجَ التَّذَكُّرُ قَلْباً سٌقِيمَا
وأنشد الحسن بن يحيى:
يا ديارَ الصِّبَا سَقَتْك الرِّهامُ ... حانَ من لَهْوِك اللَّذيذِ انْصِرَامُ
أَيُّ عَيْشٍ مَضَى بمَغْنَاك رَطْبٍ ... ونَعِيمٍ أَوْدَتْ به الأيّامُ
لمْ تَدَعْ فيكِ مُبْلِيَاتُ اللَّيَالي ... جِدَّةً فالجَديدُ منك رِمَامُ
كُنْتش بالآنِسَاتِ مُؤْنَسَةَ الرَّبْ ... عِ وعَنْكِ الخُطوبُ غُفْلُ نِيَامُ
وبُكَاءُ الطُّلُول يَشفِى منَ الوَجْ ... د إِذا بَانَ ساكنوهُ الكِرَامُ
وأيضاً
عَرَفْتُ لِسَلْمَى بالحِمَى مَنْزِلاً قَفْرَافأَسَبلْتُ دَمْعاً لا جَمُوداً ولا نَزْرَا
أَقول لصَحْبي والمَدَامعُ تُمتَرَى ... بما في الحَشَا مِن لَوْعَةٍ خِلْتُها جَمْرَا
قِفُوا وَقْفَةً فيها شِفَاءُ لذِى الهَوَىمن الوَجْد لا بَلْ تُدْرِكُونَ بها الأَجْرَا
فما بَعْدَ ذا اليومِ ارْتجاعُ ونَظْرةُ ... إلى الدَّارِ إِلاَّ أَنْ نَمُرَّ بها سَفْرَا
فقالُوا أَحقًّا لا تَزالُ مُكلَّفاً ... بمعْهدِ دارٍ لا تُبِينُ لَنَا خُبْراً
وماذَا الّذي يُغنِى إِنِ الرَّكْبُ أَوْقفُوا ... رِكابهُمُ في منْزِلٍ قَد عفَا عَصْرا
فقُلْتُ وطَالَ اللَّوْمُ حُيِّيتَ مَنْزِلاًأَطَالَ الشَّجَى أَوْ هاجَ مِن أَهْلِه ذِكْرَا
سَقَتْك الغوادِى وابِل المُزْنِ وارْتَدتْ ... عِرَاصُك مِن سُقْيَاهُ أَرْدِيةً خُضْرَا
ولأحمد بن أبي طاهر:
تِلْك الدِّيارُ لَوَ أنَّهَا تَتَكلَّمُ ... كانَتْ إليكَ من البِلى تَتظَلَّمُ
دَرستْ مَغانِيها ومَحَّ جَدِيدُها ... بل عَاد رسْماً رَبْعُها والْمَعْلمُ
لم يَبْقَ منها غيرُ آثَارِ الصِّبَا ... ومَعاهِدٌ يَشْجَى بهنَّ المُغْرَمُ
وأنشدنا محمّد بن يحيى قال: أنشدني أبي:
سَقَى اللهُ أَطْلاَلاً بأَكثِبةِ الحِمَى ... وإِن كُنَّ قد أَبْدَينَ للنّاس مَابِيَا
مَنَازِلُ لو مَرَّتْ بهنّ جنَازَتي ... لصَالحَ الصَّدَى يا صاحِبَيَّ انْزِلاَ بِيَا
وأنشد يعقوب بن السكّيت لأعرابيّ:
خليلّيَّ عُوجا من صُدُورِ الرَّكائبِ ... على طلَلٍ بين اللِّوَى فالمَذَانبِ
قِرىً لزَمَانٍ قد تَقارَبَ مُقْبِلٍ ... وبُقْيَا زَمَانٍ قد تَقادمَ ذَاهبِ