على انْفِصَالِ أَنْجُمِ السُّعُودِ
كأَنّهَا في النَّظَرِ المشِيدِ
بَيْضُ أدَاحٍ لاحَ في صعدِ
وله أيضاً في بُرْج المتوكّل:
ما كان بالبُرْج مذْ كانتْ أوائلُنَا ... ولا يَكُون بِناءٌ مِثْله أَبَدَا
كأنّه فَلَكٌ تَختالُ أنجمُهُ ... إذا التَّهَلُّلُ من تِيجانِهِ اطَّرَدَا
يُضَاحِكُ الدُّرَّ في أكْنافِه فِلَقٌ ... من الزَّبَرْجَدِ ما يُحْصَى لَه عدَدَا
عَفَّى على عَرْش بلْقِيس ببهْجَتِهِ ... وفَاتَ في الحُسْنِ حتّى جاوَزَ الأَمَدَا
فنضْرَةُ البُرْجِ بالفِرْدَوس مُذْكِرَةٌ ... مَنْ قاسَ ما غَابَ عنه بالّذي شَهِدا
مُمَهَّدٌ بمِهَادٍ لا يُحِيطُ به ... وَصْفُ البَليغِ إذا ما جدَّ واجتَهَدَا
من اللُّجيْنِ به والتِّبر آنِيَةٌ ... لوْ صِيغَ من أُحُدٍ أَمثالُهَا نَفِدَا
وله أيضاً:
ما اجْتلَتْ عَيْنُ ناظِرٍ كجِنَانٍ ... شِدُتَ فيها جَوَاسِقاً وقُصُورَا
مُشْرِفات على حَدَائقَ وُشِّي ... نَ من النَّوْرِ سُنْدُساً وحَرِيرَا
فلنُوَّارِهَا إذا وَضحَ الصُّبْ ... حُ دير الزور! فِيفٌ يكادُ يُعْشِى البَصيِرَا
قدَّسَ اللهُ ما ابتَنيت وأثَّلْت ... تَ ولازَال آهِلاً مَعْمورَا
وله أيضاً:
ما رأينا بشراً قبلك في صورة بدر
شيَّد اللهَ له قَصْراً على لُجَّةِ بَحْرِ
مُشْرِفاً مُعْتَدلَ الصَّنْعَةِ في أَحْسَنِ قَدْرِ
بِدْعَةٌ أَلَّفَهَا لَفْظُكَ عن أحْكَمِ فِكْرِ
هِمَّةٌ غالَبْتَ عن سَوْرَتِهَا أَغْلبَ نَهْرِ
فَتَبَوَّأتَ على أَمْواجِه أَثْبَتَ قَصْرِ
تَحْتَهُ هَمْهمةٌ للرِّيح في نفخ ونَخْر
ومَجَالٌ لمَحِطِّ الماءِ في أَفْيَحَ غَمْرِ
مَنْزِلٌ فاضَ به سَيْبُك سَحًّا غيْرَ نزْرِ
وَصَلَ اللهُ لك العُمْرَ، أبا الفضل، بعُمْرِ
وقال الغلابيُّ: حدَّثنا الفضل بن عبد الرحمن بن شبيب بن شيبة قال: دخل عمِّى عبد الصمد بن شبيبٍ على عيسى بن جعفر بن المنصور وقد بنى قصره على نهر ابن عمر وبالبصرة، فأراد منه أن يصف بناءه فقال: أعزّ الله الأمير.
بنيت أحسن بناءٍ، بأوسع فضاءٍ، وأطيب فناءٍ، على أصفى ماءٍ، وأرقَّ هواءٍ، بين صرارٍ رعاءٍ وحيتانٍ وطباءٍ.
فقال له عيسى: والله. لبناء كلامك أحسن من بنائي. ووصله.
وفي هذا القصر يقول عبد الله بن أبي عيينة المهلّبيّ:
زُرْ وَادِىَ القَصْر نِعْمَ القَصْرُ والوَادِى ... لا بُدّ من زَوْرةٍ عن غَيْرِ مِيعادِ
زُرْهُ فليَس له شِبْهٌ يُقَارِبُه ... من مَنْزِلِ حاضرٍ إِنْ شِئْتَ أَو بَادِى
تُرْفَى قَرَاقِيرُهُ والعِيسُ وَاقفةٌ ... والنّونُ والضّبُّ والمَلاّحُ والحادِى
وحدَّثنا محمّد بن يحيى قال: حدَّثني مسبِّح بن حاتم العلكىُّ قال: حدَّثني يعقوب بن جعفر بن سليمان قال: قال أبي للأصمعيّ: ما أحسن ما قال هذا الفتى المهلَّبيُّ في قصر عيسى بن جعفر، وأنشده الأبيات، فهل سبقه أحدٌ إليها؟ قال: نعم: هذا خليفة بن خلف الأقطع دخل على يزيد بن عمرو بن هبيرة وقد بنى قصره، يريد القصر في طريق الكوفة فأنشده قصيدةً أوّلها:
قُرِنَتْ رُؤُوسُ ظِبَائِها ... بالزُّرْقِ من حِيتَانِهَا
مُكَّاؤُهَا غَرِدٌ يُجِي ... بُ الوُرْقَ من وَرشَانِهَا
هكذا أنشدنيه محمّد بن يحيى، وأنشدنيه عليُّ بن سليمان من ورشانها جمع ورشان، قال: وكذلك الكروان جمع كروان، وأنشد:
كأنّهم الكِرْوَانُ أَبصَرْن بَازِيَا
وللحسين بن الضَّحّاك في البديع:
إِنّ البَدِيعَ لَفَرْدٌ في مَحَاسِنه ... لا زالَ ظِلُّك عَمَّا تَبْتَنِى أَبَدَا
تَكَادُ تَختِلسُ الأَبصارَ بَهْجَتُه ... إِذا تَأَلَّقَ بالعِقْيانِ واتَّقَدَا