حَلَلْت الثُّرَيَّا خَيْرَ قَصْرٍ ومَنْزِلٍ ... فلا زَالَ مَعْمُوراً وبُورِك من قَصْرِ
جِنَانٌ وأَشجارٌ تَلاَقَت غُصُونُهَا ... وحُلِّين بالأَثمار والوَرَقِ الخُضْرِ
تَرَى الطَّيْرَ في أَغْصَانِهِنّ هَوَاتِفاً ... تَنقَّلُ مِن وَكْرٍ لهنّ إِلى وَكْرِ
هَجَرْت سِوَاهَا كُلَّ دارٍ عَرَفْتها ... وحُقّ لدَارٍ غَيْر دَارِكَ بالهَجْرِ
وأَنْهَارُ مَاءٍ كالسَّلاسِل فُجِّرَت ... لتُرضِعَ أَوْلادَ الرَّيَاحِينِ والزَّهْر
ومَيْدانُ وَحْشٍ تَرْكُضُ الخَيْلُ وَسْطَهُ ... فيُؤْخَذُ منها ما يُشَاءُ على قَسْرِ
إِذَا ما رَأَتْ ماءَ الثُّرَيَّا ونَبْتَهَا ... نَسِينَ وُثُوبَ الكَلْبِ فيهنّ والصَّقْرِ
وقلت في بيتٍ بناه الأمير أيَّده الله:
بَنَيْتَ بَيْتاً سَمَا للفَخْر مَصْعَدُهُ ... واحْتَلَّ في ذِرْوَةِ العَلْيَا مُشَيّدُه
قد عَانَقَ الأُفْقَ حتَّى خِلْتَهُ كَلِفاً ... قد طالَ مِن وَجْدِه فيه تَلَدُّدُهُ
للنُّورِ في دَوْرِه لِعْبٌ ومُؤْتَلَقٌ ... يَعلو ويَنْحِطُّ مُسْتَناٍّ تَوَقُّدُهُ
كأَنّه صارمٌ في كَفِّ مُدَّرِعٍ ... يَسُلُّه في الدُّجَى طَوْراً ويَغْمِدُهُ
بَنَاهُ ذو هِمّةٍ عِلْماً وهَنْدَسَةً ... عَقْلاً ووَطَّدَهُ فِكْرٌ يُردِّدُهُ
أَسَاسُه مَجْدُه والجُودُ حَائِطُه ... وأَرْضُه فَضْلُه والسَّقْفُ سُؤْدَدُهُ
كأَنّه صَرْحُ بلْقِيسٍ وقد كَشَفَتْ ... سَاقاً وظَنَّتْهُ ماءً خِيفَ مَوْرِدُهُ
أَقُول إِذْ كَلَّ وًصْفِي عنْه واعْتَذَرَتْ ... شَوَاهِدُ الحُسْنِ عنِّي حِينَ تَشْهَدُهُ
بَيْتَانِ في الأَرْضِ بَيْتُ الله نَعْرِفُهُذِكْراً وذا البَيْتُ نَغْشَاه ونَقْصِدُهُ
مُبَارَكٌ عَرَّفَ اللهُ الأَمِيرَ به ... يُمْنَ الجُلُوسِ ودَامَتْ فيه أَسْعُدُهُ
ولجعيفران الموسوس يصف قصراً ويهجو صاحبه:
يا قَصْرُ شانَكَ بُخْلُ صاحبك الّذي ... مافيه مَعْ إِمْسَاكِهِ مُسْتَمْتَعُ
أَنت العَروسُ لهَا جَمَالٌ فائِقٌ ... لكِنَّهَا في كلِّ يَومٍ تُصْدَعُ
وأيضاً في مثله لغيره:
بَنَى أَبُو جعفرٍ دَاراً فشَيَّدَهَا ... ومِثلُه لجِيَار الدُّروش بَنّاءُ
الجُوعُ داخِلُهَا والمَنْعُ طاهِرُهَا ... وفي جَوَانِبِهَا بُؤسٌ وضَرَّاءُ
ما يَنْفَعُ الدّارَ مِنْ تَزْوِيقِ صَاحِبِها ... وليسَ في جَوْفِهَا خُبْزٌ ولا مَاءُ
ولأبي الطَّريف يذمُّ بيته:
فلو كانَ لي بَيْتٌ يَحِلُّ دُخُولُه ... لأَمْتَعتُكم بالقَصْفِ والشُّرْبِ والسُّكْرِ
ولكِنّما لي بَيْتُ سُوءٍ كأَنَّه ... بَقِيَّةُ نَاوُوسٍ على سَاحِلِ البَحْرِ
ولابن المعتزّ في بيتٍ ضيّقٍ كان فيه هو وجماعة من أصحابه:
يارُبّ بَيْتٍ زُرْتُهُ وكأَنَّمَا ... قد ضَمَّنى من ضِيقهِ سِجْنُ
ما يُحْسِنُ الرُّمّانُ يَجْمَعُ نَفْسَهُ ... في قِشْرِه إلاّ كما نَخْنُ
وأخذ أبو العبّاس السَّفَّاح بيد عبد الله بن عليٍّ يدوِّره في أبنيةٍ كانت نبنى له، فتمثَّل عبد الله:
أَلَمْ تَرَ حَوشَباً أَضْحَى يُبَنِّى ... بِنَاءً نَفْعُهَا لبَنِى بُقَيْلَهْ
يُرجِّى أَنْ يُعَمَّرَ عُمْرَ نُوحٍ ... وأَمْرُ اللهِ يَطْرُقُ كلَّ لَيْلَهْ
فغضب السفّاح ونتر يده من يده. فحلف عبد الله أنه ما اعتمد سوءاً.
وبنى عليُّ بن محمّد بن عبد الله بن حسن داراً بالمدينة حسَّنها واجْتهد فيها، فلمّا فرغ منها قال:
حِسَّنْتُ دَارِى بعدَ عِلْمِى أَنَه ... سَيَفُوزُ بَعْدِى الوَارثونَ بحُسْنِهَا
فلَئِنْ بَنَيْتُ وكانَ غَيري نازِلاً ... فلَكَمْ نَزَلتُ مَنَازِلاً لم أَبْنِهَا