للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما بالنسبة لليهود والنصارى فيلعنون، وجاء في موطأ الإمام مالك قول التابعي أظنه ابن أبي مليكة قال: أدركنا الناس وهم يلعنون اليهود والنصارى، يعني في الوتر، فلا مانع من لعنهم، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة، ترتب عليه مفسدة، صار من باب {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(١٠٨) سورة الأنعام] فالكلام على ما يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة، أما لعنهم فهو جائز، يعني إذا أمنت المفسدة ما في أدنى إشكال، لكن قد يكون في مجتمعاتهم في بلدانهم ممن يقيم بين أظهرهم من المسلمين يسمع مثل هذا الكلام فيجاهر بلعنهم، وهو لا يستطيع مقاومتهم فيتضرر بذلك، وقد يتضرر بذلك غيره، فالمسألة مسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالأصل أن لعنهم جائز، جاء لعن اليهود في القرآن، جاء لعنهم في القرآن، وجاء لعنهم في السنة.

العلة في لعنهم أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، والرواية الأخرى رواية مسلم: ((لعن الله اليهود النصارى)) اليهود لهم أنبياء، وهؤلاء الأنبياء لهم قبور واليهود الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد هم الذين كانوا يقتلون الأنبياء، إما أن يقتلوهم، أو يعظموهم حتى يصلوا بهم إلى حد الإشراك بالله -جل وعلا-.

اليهود يتجه لعنهم، والعلة أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لكن في رواية مسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) اليهود لهم أنبياء، ومات هؤلاء الأنبياء، ودفنوا في قبورهم، لكن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد، وهو عيسى -عليه السلام-، ومع ذلكم لم يقبر، ما مات، بل رفع إلى السماء، فكيف يقال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))؟ لأن اليهود والنصارى جمع قوبل بجمع، إذا قلنا: قبور أنبيائهم فلكل نبي قبر؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، يعني لكل نبي قبر، وهذا ما فيه إشكال، لكن اليهود والنصارى جمع وأنبيائهم جمع هل تقتضي القسمة أفراد؟ النصارى ليس لهم نبي مدفون له قبر، إنما نبيهم عيسى -عليه السلام-، ما مات، بل رفع حياً إلى السماء، فكيف يقال: اليهود والنصارى؟