للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب -أمير المؤمنين- مر بحسان بن ثابت" شاعر النبي -عليه الصلاة والسلام- "وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه عمر" عمر عنده حزم وعزم وقوة في الحق، لحظ إليه، نظر إليه نظرة إنكار، ففهم حسان أنه ينكر عليه "فقال: قد كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك" يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجيب، وأمره أن يهجو الكفار، فكان ينشد في المسجد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: "كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك" ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله" يعني اسأل بالله "أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس) قال: نعم" متفق عليه".

فالنشيد هو أداء الشعر على طريقة معينة مع رفع الصوت فيه، والشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، لا يمنع بإطلاق ولا يباح بإطلاق كسائر الكلام، فإذا كان لفظه مباحاً ولم تصحبه آلة، وأدي بلحون العرب، يعني الذي أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على نفس الطريقة طريقة العرب، لا بلحون الأعاجم وأهل الفسق فإنه يجوز، وقد أُنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان لفظه غير مباح كالغزل والهجاء والفخر وما أشبه ذلك فإنه يُمنع من أجل لفظه، كما يُمنع الكلام النثر إذا صحبته آلة منع من أجل الآلة، إذا أدي بلحون أهل الفسق ولحون الأعاجم منع للتشبه، وما عدا ذلك مباح، ومع ذلك لا يكثر منه، لا يكثر من الشعر بحيث يكون هو الغالب على الإنسان، وجاء في الحديث الصحيح: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه)) يعني يمتلئ امتلاءً بحيث لا يستوعب شيئاً غيره ((خير له من أن يمتلئ شعراً)) لأنه إذا امتلأ الجوف شعراً ماذا بقي للكتاب والسنة والعلم الشرعي المقرب إلى الله -جل وعلا-، فالمقصود به إذا كان بحيث لا يستوعب غيره.