فلما أصبحنا دخلنا في أول مدنية من نيجيريا الشمالية وتسمى (ليلى) ، دخلنا فيها واسترحنا فيها ونحن قاصدون (سكوتوا) عاصمة الشمال، وفي هذه المدينة -سكوتوا- رأيتُ فيها السيارات لأول مرة.
هذا من ناحية الرحلة التي لما وصلت إلى نيجيريا حصل فيها أمن، وحصلت فيها بعض الراحة، إلى أن أخذنا الجواز الذي ذكرتُه لك، أخذناه في آخر مدينة، التي إذا تجاوزناها ندخل في بلاد تشاد -والكامرون وفي تشاد ـ، والكامرون ما تعرّض لنا المستعمرون، لأن المدينة التي تسمى (كوسلي) -وهي آخر مدينة من دولة الكامرون جهة تشاد -هذه على البحيرة- على بحيرة فولامي التي تسمى الآن أنجميناـ، هذه البحيرة طرفُها الغربي تبع للكامرون، وطرفها الشرقي تبع لتشاد.
هذه المدينة -كوسلي- تابعة للكامرون على الضفة الغربية، جئنا إليها ولا يمكن أن ندخل تشاد حتى نَمُرَّ فأشار إلينا المستعمر قفوا، فختموا لنا على الجواز، فركبنا في العبّارة، لأن البحيرة لا يمكن مجاوزتها إلاّ بالعبارة، فركبنا إلى تشاد.
لما وصلنا إلى أنجمينا -التي هي فورلامي سابقًا-كان في طريقنا مركز للتفتيش -يتبع الفرنسيين-، هذا المركز فتّشنا تفتيشًا لم أرَ له نظيرًا في حياتي في الدنيا، وهو أنهم فتشونا حتى إنهم أمرونا بفسخ السراويل، لازم نفسخ السراويل ونفسخ النعال، فهم يفتشون السراويل ويفتشون النعال، ونحن عندنا تعليمات مسبّقًا عن هذا، وبتوفيق من الله -عزّ وجل- وضعنا المال قبل الوصول إليهم في القِرْبة ونشفناها، ولما نشفت هذه القربة أخذنا الفلوس كلها ووضعناها في داخلها، ثم علقناها على جانبٍ من السيارة، وهي ناشفة تمامًا، فلما فتشونا وفتشوا السيارة وهذه القربة لم يفتشوها، حيث لم يأتي على بالهم أنّ بها مالاً.