بقينا في بورسودان مع أنصار السنة حتى أخذنا تقريبًا شهرًا كاملاً معهم وأنا أُلقي دروسًا في الجامع الكبير، وأُلقي دروسًا في مسجد أنصار السنة تارة.
هذا ما يتعلّق بمجمل الرحلة.
ولما غادرنا بورسودان في الخامس من شهر رمضان سنة ستٍّ وستين، ولما أتينا إلى محل الباخرة -أنا كان عندي صندوقان مملوءان من الكتب الحديثية والعقدية، لما جئنا إلى محلّ الجمرك عند الباخرة، المشرفون على العملية بريطانيون، قال لي البريطاني المشرف على العفش افتح الصندوقين حتى ننظر فيها، ففتحته فقال: افتح الثاني، ففتحته، فقال: أنت تاجر، تحمل الكتب من عندنا إلى الحجاز لكي تبيعَها، قلت: لا، أبدًا، حاشا وكلاّ، قلت له: هذه الكتب للعلم فقط، للتعلُّم، أما التجارة أنت الآن -قلت له- لو أردت أن تشتريها مني الآن بنصف بورسودان ما أعطيك إيّاها، قال لي: هكذا؟، قلت له: نعم، لا يمكن أبدًا أن تشتريها مني ولو بنصف بورسودان، فقال: يا عجبًا هذا الكتب ما هي للبيع؟، أنا الآن لو أعطيك نصف بورسودان الصندوقان هذان لا تسلمها لي، قلت: لن أسلمها لك أبدًا، إلاّ إذا ضمنت لي أنني إذا وصلت إلى الحجاز أجد هذه الكتب، قال: عجيب، ثم قال للعمال: اغلقوها، هذه الكتب ليست للتجارة، وأمروهم أن يرفعوها إلى الباخرة ومشينا.
ثم لما وصلنا إلى جدة -ولله الحمد- جاء المسئولون عن الباخرة -ونزّلوا الناس- وهذا في رمضان ونحن صائمونـ، إلا نحن، ثم قالوا لنا أين الجواز، أعطيناهم الجواز الليبي، فلما لما نظروا إليه قالوا: يا عجبًا أنتم لستم ليبيين، لأنّ المكيين والمدنيين يعرفون الناس، جوازاتكم هذه مستعارة، فلذلك لم ننزل من الباخرة، نحن الأربعة فقط بقينا في الباخرة، والباخرة تحمل ألفا نفر، ولم يبقى في هذه الباخرة إلاّ نحن الأربعة.