يقول ديفيد غرينهود David Greenhood: إن أول إنسان قاس الأرض كان شاعرا١، وهو يعني بذلك العالم السكندري ايراطوسيثنس الذي تمكن من معرفة محيط الأرض دون أن يدور حول الأرض أو أن يستعمل أجهزة معقدة، أو أن تلزم له خلفية رياضية متقدمة. إن كل ما استعمله ذلك العالم للوصول إلى تقدير محيط الأرض كانت الشمس وبئرا كانت فيما يعرف الآن بمدينة أسوان بجمهورية مصر العربية وعصا غرسها، فيما بعد قائمة في الإسكندرية، أما من الناحية الرياضية فكل ما لزم له كان ينحصر في معرفة المسافة بين الإسكندرية وأسوان التي اعتقد أنها تقع على مدار السرطان وتتعامد عليها أشعة الشمس أثناء الانقلاب الصيفي "٢١ يونيه" من كل عام. إن تلك المسافة كانت معروفة وخاصة لطبقة التجار والمسافرين والمساحين الذين كثيرا ما ارتادوا الطريق المؤدي من الإسكندرية إلى أسوان والذي كان طوله حوالي ٥٠٠٠ ستديا. بالإضافة إلى ذلك فقد كان على صاحبنا أن يعرف بأن الزوايا المتبادلة متساوية وأن أشعة الشمس متوازية، وأن أي شعاع يتعامد على جزء من سطح الأرض لا بد لامتداده أن يمر بمركز الكرة الأرضية. بالطبع كانت هذه الأشياء بالإضافة إلى المسافة بين أسوان والإسكندرية كلها معروفة كل المعرفة للعالم السكندري، أمين مكتبة الإسكندرية، أعظم مكتبة علمية في ذلك الوقت.
١ David greenhood, Mapping, Chicago: The University of Chicago Press, "١٩٩٥",p.٥٩