للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: انْطَلِقْ بِالشِّفْرَةِ وَجِئْنِي بِالْقَدَحِ، قَالَ: إِنَّهَا قَدْ عَزَبَتْ وَلَيْسَ لَهَا لَبَنٌ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِقَدَحٍ فَمَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ ضَرْعَهَا، ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلَأَ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ:

انْطَلِقْ بِهَذِهِ وَجِئْنِي بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ سَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرَى فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» .

قَالَ: فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا، ثُمَّ انْطَلَقْنَا فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ الْمُبَارَكَ وَكَثُرَتْ غَنَمُهَا، حَتَّى جَلَبَتْ جَلْبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ؟ قَالَ: وَمَا تَدْرِينَ مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ، فَأَطْعَمَهَا وَأَعْطَاهَا- زَادَ ابْنُ عَبْدَانَ فِي رِوَايَتِهِ- قَالَتْ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ فَانْطَلَقَتْ مَعِي وَأَهْدَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ [ (١) ] وَمَتَاعِ الْأَعْرَابِ قَالَ فَكَسَاهَا وَأَعْطَاهَا قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ أَسْلَمَتْ» [ (٢) ] .

قُلْتُ: وَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ عَمَّا رُوِّينَا فِي قِصَّةِ أُمِّ مَعْبَدٍ وَيَزِيدُ فِي بَعْضِهَا فَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا وَاحِدَةً.

وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ [ (٣) ] مِنْ قِصَّةِ أُمِّ مَعْبَدٍ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَهَذِهِ وَاحِدَةٌ وَاللهُ أَعْلَمُ [ (٤) ] .


[ (١) ] الأقط: يتخذ من اللبن المخيض، يطبخ، ثم يترك حتى يمصل.
[ (٢) ] نقله الحافظ ابن كثير عن المصنف في البداية والنهاية (٣: ١٩١- ١٩٢) ، وعنهما الصالحي في السيرة الشامية (٣: ٣٥٠) .
[ (٣) ] سيرة ابن هشام (١: ١٠٠- ١٠١) ، وانظر الروض الأنف (٢: ٨) ، وشرح السيرة لأبي ذر (١:
١٢٦) .
[ (٤) ] ورجّح هذا أيضا: الحافظ ابن كثير «البداية والنهاية» (٣: ١٩٢) .