وَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْجُهَنِيِّينَ وَهُوَ مُتَخَوِّفٌ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَحَسُّوا مِنْ مُحَمَّدٍ، فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ الرَّاكِبَيْنِ: عَدِيِّ بْنِ أَبِي الزَّغْبَاءِ، وَبَسْبَسٍ، وَأَشَارُوا إِلَى مُنَاخِهِمَا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: خُذُوا مِنْ بَعْرِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَوَجَدَ فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: هَذِهِ عَلَائِفُ أَهْلِ يَثْرِبَ، وَهَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَارُوا سِرَاعًا خَائِفِينَ للْطَلَبِ، وَبَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ: ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو، إِلَى قُرَيْشٍ: أَنِ انْفِرُوا فَاحْمُوا عِيرَكُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لِيَعْرِضُوا لَنَا.
وَكَانَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَاكِنَةً بِمَكَّةَ، وَهِيَ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم، وَكَانَتْ مَعَ أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَرَأَتْ رُؤْيَا قَبْلَ بَدْرٍ، وَقَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ عَلَيْهِمْ، فَفَزِعَتْ مِنْهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَخِيهَا: الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ لَيْلَتِهَا، فَجَاءَهَا الْعَبَّاسُ، فَقَالَتْ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَدْ أَشْفَقْتُ مِنْهَا، وَخَشِيتُ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا الْهَلَكَةَ [ (٥) ] ، قَالَ: وَمَاذَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: لَنْ أُحَدِّثَكَ حَتَّى تُعَاهِدَنِي أَنَّكَ لَا تَذْكُرُهَا فَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوهَا آذَوْنَا وَأَسْمَعُونَا مَا لَا نُحِبُّ، فَعَاهَدَهَا الْعَبَّاسُ فَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ غُدَرٍ اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَأَقْبَلَ يَصِيحُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَصَاحَ ثَلَاثَ صَيْحَاتٍ، وَمَالَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَفَزِعَ لَهُ النَّاسُ أَشَدَّ الْفَزَعِ، قَالَتْ: ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَاحَ ثَلَاثَ صَيْحَاتٍ، فَقَالَ: يَا آلَ غُدَرٍ، وَيَا آلَ فُجَرٍ: اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ أَبِي قُبَيْسٍ، كَذَلِكَ يَقُولُ يَا آلَ غُدَرٍ وَيَا آلَ فُجَرٍ، حَتَّى أَسْمَعَ مَنْ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فَنَزَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَقْبَلَتِ الصَّخْرَةُ لَهَا حِسٌّ شَدِيدٌ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَصْلِ الْجَبَلِ ارْفَضَّتْ فَلَا أَعْلَمُ بِمَكَّةَ دَارًا وَلَا بَيْتًا إِلَّا
[ (٥) ] في عيون الأثر: «شر ومصيبة» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute