للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَوْمِ لِذَهَابِ الْعَدُوِّ وَانْتَشَرُوا يَتْبَعُونَ قَتْلَاهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا قَتِيلًا إِلَّا قَدْ مَثَّلُوا بِهِ، إِلَّا حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ، كَانَ أَبُوهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَتُرِكَ لَهُ وَزَعَمُوا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ قَتِيلًا، فَدَفَعَ صَدْرَهُ بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ ذَنْبَانِ أَصَبْتُهُمَا قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ فِي مَصْرَعِكَ هَذَا يَا دبيس ولعمر اللَّه إِنْ كُنْتَ لَوَاصِلًا لِلرَّحِمِ بَرًّا بِالْوَالِدِ.

وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَحُمِلَتْ كَبِدُهُ احْتَمَلَهَا وَحْشِيٌّ وَهُوَ قَتَلُهُ يَذْهَبُ بِكَبِدِهِ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ قَتَلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَتْلَاهُمْ يَدْفِنُونَهُمْ فَدُفِنَ حَمْزَةُ فِي نَمِرَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ إِذَا رُفِعَتْ إِلَى رَأْسِهِ بَدَتْ قَدَمَاهُ، وَإِذَا أُنْزِلَتْ إِلَى رِجْلَيْهِ بَدَا وَجْهُهُ، فَجَعَلُوا أَعْوَادًا مِنْ شَجَرِ وَحِجَارَةٍ فَوَضَعُوهَا عَلَى قَدَمَيْهِ وَغَطَّوْا وَجْهَهُ.

قَالَ مُوسَى: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدَفْنِ الشُّهَدَاءَ، قَالَ: زَمِّلُوهُمْ بِجِرَاحِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّه إِلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا الشَّهِيدُ عَلَى هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،» ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم يُدْفَنُونَ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْمَوْتَى، وَلَمْ يَدْفِنْهُمْ فِي غَيْرِ ثِيَابِهِمُ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا.

قَالَ: وَهُمْ يَدْفِنُونَ الرَّهْطَ فِي الْحُفْرَةِ الْوَاحِدَةِ، أَيُّ هَؤُلَاءِ كَانَ أَكْثَرَ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ أَصْحَابِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِمْ.

وَخَرَجَ نِسَاءٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ وَالْأَنْصَارِ يَحْمِلْنَ عَلَى ظُهُورِهِنَّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ وَخَرَجَتْ فِيهِمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَبَاهَا وَالَّذِي بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ اعْتَنَقَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَمْسَحُ الدِّمَاءَ عَنْ وَجْهِهِ وَرَسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَقُولُ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللَّه، واشْتَدَّ غَضَبُ اللَّه عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّه» .